موسيقى الفادو: حياة وتاريخ
الموسيقى إيقاع مشاعر الشعوب، نبض الشارع، تعبيرَا صادقًا عن ما يجول في روح البلاد، تعبيرًا موازيًا بلا مواربة، أحيانًا الموسيقى ثورة مُستترة، أحيانًا هي كناية عن شيء ما، صرخةٌ ما، إتجاهٌ ما، وحتى رأيٌ ما، ودومًا هي لُغة، وإن كُنا سنمنحها وصفًا سنقول عنها أنها أحيانًا لغة الأفواه المُكممة واللامحكي.
فادو لون غنائي برتغالي يلخص مفهوم المعاناة والألم نشأ في عام 1820، أو ربما قبل ذلك. يستخدم في هذا اللون من الموسيقى آلة الجيتار لكنها تحمل في صوتها وطريقة العزف عليها الطابع الأفريقي والأندلسي العربي قليلاً وذلك لتأثرها بالموسيقى الإسبانية والفلامنكو. فادو لشبونة يعتبر اليوم من التراث البرتغالي الذي يحكي تاريخ البرتغال والثورات، ومنها ثورة القرنفل التي حدثت في القرن الماضي، وعُرفت بهذا الاسم حين وضع الشعب زهور القرنفل في فوهات بنادق الجنود تعبيرًا عن سلمية نواياهم، حتى أنها كانت الأكثر سلمية على مر تاريخ البرتغال.
يحمل هذا الفن في طياته لوعة وحزن وشجن ويتمحور حول كلمة (saudade) البرتغالية، والتي قد تعني الحزن الممزوج بالأمل، أو ما يتفجر لحظة لقاء المحبوب، وربما كانت تعني (الوجد) أو (الشجن) والذي هو مزيج عجيب من مجموعة مشاعر متضاربة من العشق والحزن والأمل. وعن الفادو تقول رجاء عالم:
يذهب البعض للقول بأن الفادو موسيقى جاءت كرقصة من أفريقيا في القرن 19 ، و تبناها الفقراء في شوارع مدينة لشبونة ، أو ربما بدأت في البحر كتراجيع الأمواج لحنين و أغاني البحارة الحزينة . و مهما كان مصدر الفادو فلقد التزمت مواضيعه القدر ، و الخيانة و اليأس و الموت ، و يقال إن حفل الفادو لا يُعَدُّ ناجحاً مالم تهمي دموع الجمهور . و في أوائل القرن العشرين كان الفادو هو موسيقى المأزق الأرضي ، موسيقى معجونة بتراب و عرق الأحلام المستحيلة للطبقة العاملة ، واشتهر مغنوه بالفاديست ، ينتشرون أزقة أقدم أحياء برشلونة ، و في حاناتها و ملاهيها الطافحة بالفقراء ، تصدح حناجرهم بالغناء مع المساء و تخترق جوف الليل كختام ليوم عمل شاق و تنفيث لهمومه ، هو التوق الذي لا يُشبع على هذه الأرض ، بينما يستحضر الفادو للمهاجرين البرتغال الوطنَ الذي خلفوه وراءهم.
كسائر الموسيقى الشعبية، تعتبر الفادو لغة الروح للروح؛ لأنها تحكي البحر والموج والفقد. وهي مؤثرة بمكان دفع أحد رؤساء البرتغال لمحاولة التضييق على هذا الفن واخراجه في شروط معينة دون ابتذال. ولأن الفادو أحد ثروات البرتغال استمر هذا الفن ونمى بين أجيالها حتى غدا اليوم هو الإحساس بالحياة.
وأما الطقوس، فللفادو طقوسه أيضًا. فإلى جانب أنه حكايا إنسان ومعاناة وطن، فلحضوره هيبة عند جمهوره في الإصغاء. حيث أنه بمجرد أن يبدأ العزف على الجيتار ينغمس الجمهور إنغماسا كليًا ليشاهد الصورة كاملة، في السواد الذي يغطي كامل جسد مغنيات الفادو العريقات، ويرى في طريقة الغناء ولغة اليد خاصة قصة إما بوضعها خلف الخصر ليخرج الصوت من العمق أو أنها تكون بمحاذاة مقر الألم حيث القلب!
ولرجاء عالم وصف لطقوس اميليا رودريغوس التي تعتبر هي ملكة الفادو والعزفيين المرافقين لها حيث تقول:
يبدأ العازفون الثلاثة منكبين على جيتاراتهم ، برؤوسهم منحنية على أجساد الآلات التي يضمونها و يغوصون بأصابعهم في أوتار قلوبهم ، لينبعث جيشانها موقِّعاً لوعته على حبال حنجرة صوت كريستينا ، و التي بدأت بيديها خلف خاصرتها ، و ترتعد مع كل اختلاج للحن .. اليد جزء من طقس الفادو ، فهي إما خلف الجسد مثل ركيزة لتسمح للحنجرة و الصدر بالانبثاق في الهواء ليرسل الصوت طليقاً من أسفل الجذع البشري ، أو هي عصافير جنة تُحَلِّق مرتعدة قليلاً في الهواء و لا تلبث أن تغوص منغرسة في الصدر ، تضرب عليه لتشق أبوابه للقلوب المنصتة..
من هنا يمكن مشاهدة ملكة الفادو اميليا رودريغوس وهي تغني إحدى أغانيها ، كما يمكنك الاستماع إلى مجموعة أغانيها في اليوتيوب من هذه القائمة.
وهنا يمكنك مشاهدة أغنية أخرى لهذا الطابع من الفن.
للاستزادة :
الفادو تروي حنين القنفل / مقال “الفادو” للكاتبة رجاء العالم / موسيقى الفادو إحساس بالحياة