الإنتاج الفني والسرديلقاءات صحفية

حوار مع الشاعر محمد الثبيتي في مجلّة الأقلام العراقية

أتمنى أن أكون نبتة قوية الجذور في غابة الشعر الساحرة

محمد بن عواض الثبيتي (١٩٥٢-٢٠١١م)، هو شاعر سعودي، يلقب بـ”سيد البيد يعد واحداً من أبرز أدباء ما يعرف بأدب الحداثة، والذي بدأت تتشكل ملامحه في ثمانينات القرن العشرين، توفي في عام ٢٠١١م جراء تأثره بأزمة قلبية تعرض لها في وقت سابق. ننقل لكم هنا أحد الحوارات الصحفية المهمة مع الشاعر في مجلة الأقلام العراقية. تفتتح المجلة حوارها مع (الثبيتي) فتكتب في المقدمة:

يقف الشاعر (الثبيتي) على أرض الشعر بثقة ويتلمس دربه في غاباته المسحورة بتأنٍ.ولد عام ١٩٥٢م في منطقة الطائف في السعودية. له مجموعتان شعريتان: (تهجيت حلمًا تهجيت وهمًا)، و(عاشقة الزمن الوردي)، وغيرهما الجديد.نحاول في هذا الحوار التعرف على ملامح تجربته الشعرية وأهم المرتكزات التي ارتكزت عليها هذه التجربة.


سألناه عن بدايته الشعرية؟

كانت بدايتي مثل معظم البدايات بسيطة ومتواضعة، بدأت كتابة الشعر في السادسة عشرة من عمري، كنت أعشق الشعر منذ الصغر، فأبي كان يلقّنني الشعر وأنا ما زلت في المهد، شئ طبيعي وفطريّ أيضًا أن أنشأ على تلاوة الشعر الجاهلي ثم ما تلاه من الشعر العربي كله، عشقت من الشعراء الكثيرين: (الأعشى)، (عمر بن أبي ربيعة)، (أبو تمام)، (المتنبي)، (جرير)، قرأت لهم الكثير ودخلت من خلالهم بوابة الشعر.
أذكر من محاولاتي القديمة جداً جداً قصيدة قلتها وأنا في السادسة عشر من عمري كنت أعارض بها قصيدة لـ(شوقي) قلت قصيدة أذكر منها هذا البيت:

إذا جاد الزمان لنا بيوم .. وصالاً جاد بالهجران عاما

بعدها كتبت الكثير من القصائد التي لا تخرج عن كونها تقليدًا لـ(شوقي) ولغيره من الشعراء. بعد فترة من الكتابة المبتدئة والتقليد الرديء استيقظ في نفسي هاجس آخر يقول هذا ليس شعرًا، يجب أن تتجاوز، يجب أن تدخل عالم الشعر الحقيقي، فكتبت محاولة جديدة اسمها “إيقاعات على زمن العشق” وهي مرحلة نزارية بحتة.

وأنا أعتبر دخولي الصادق والحقيقي إلى عالم الشعر عندما اكتشفت القصيدة الحديثة بعد تجاوزي لـ(نزار قباني) وخاصة بعد قراءتي لـ(السياب) و(البياتي) اللذين وضعا قدمي على الطريق السوي للشعر.

أين أنت الآن من عالم الشعر؟

القصيدة عندي تكون حلماً مرة ومغامرة في عالم مجهول مرة أخرى وأنا أعتبر أن الشعر، أو أن كل قصيدة تعطيني حياة جديدة وعالمًا جديدًا.
أتمنى أن أكون نبتة قوية الجذور في غابة الشعر الساحرة!
إنني أكتب القصيدة الحديثة وأرى أني-وخاصة بتجاربي الأخيرة- قد حققت شيئًا ما، ولديّ حلم في أن أحقق شيئًا أكبر.

ما الذي تعتقد أنك حققته في الشعر؟

لو جاز لي أن أعتبر نفسي حققت شيئا فسأقول أنني أكتب الكثير من القصائد وأصدرت مجموعتين شعريتين، وأرى أنني حققت من خلال ذلك شيئاً أعتز به وهو جزء من طموحي، وقد كتبت مؤخراً مجموعة من القصائد أثق ثقة تامة أنها متميزة على مستوى الشعر في السعودية وتجاوزت بعض التجارب الشابة في الوطن العربي.

وما هي أهم المؤثرات في تجربتك الشعرية؟

تتطلب الاجابة وقتًا طويلاً لكن إيجازًا أستطيع القول أنني وقفت كثيرًا على التراث العربي، واستوعبت الكثير من التجارب الشعرية العربية، ولنقل تجارب (نزار قباني) و(السياب) و(البياتي) وغيرهم إضافة إلى تجاربي الذاتية.

ولكن ما هو وجه الاستفادة من التراث خاصة، أعني كيف تعاملت مع التراث؟

بالنسبة لتراثنا العظيم ففيه الكثير مما يستحق الوقوف عنده والاستفادة منه، ووجه الاستفادة لا يعني فهمه فقط واستعادته، ولكني أعني تمثله ومحاولته وتجاوز بعض رموزه واستغلال بعضها الآخر في تجربة شعرية حديثة.

أما بالنسبة لاستفادتي من الشعر الحديث فتأتي من خلال قراءته واستيعابه والوقوف كثيرًا عند التجارب المتميزة التي خاضها معظم شعرائنا. وعلى سبيل المثال أذكر (أدونيس) وتجربته الرائعة التي ما زالت –وهذا اعتراف مني- أقف عندها وأتأملها إضافة الى تجارب (السياب) و(البياتي) الغنية.

ما المقصود بشعر (السياب)؟ هل هو الشعر الذي ينتجه الشعراء أم (السياب)؟ أو هو الأسلوب الذي يجمع عدداً من الشعراء يشكلون اتجاهًا واضحًا؟ أو هو روح القصيدة الشابة التي تعرف بهذا الاسم؟

في رأيي الشعر دخول إلى عالم جديد ومغامرة جريئة لمعرفة الحياة واكتشافها، وشعر (السياب) ليس هذه التقسيمات التي يضعها بعض النقاد، ولكنه هو القصيدة التي تحمل رؤيا جديدة واكتناهًا لمعنى المستقبل والحياة معا. وعلى هذا الأساس فالقصيدة مهترئة.

وقد يقول شاعر شاب قصيدة مهترئة، وقد يقول شاعر تجاوز الستين قصيدة جديدة ورائعة دون النظر إلى الشكل على انفراد والمضمون إلى انفراد، فاعتناق الشكل والمضمون وامتزاجهما لولادة رؤيا رائعة هو الشعر الحديث.

أتعتقد أن جيلكم أو ما اصطلح عليه هكذا قد حقق شيئاً خاصاً به؟

في اعتقادي أن جيل الشباب أو الشعراء الشباب في الوطن العربي يكتبون أشياء رائعة الآن وأنهم قد حققوا شيئاً وإن لم يحققوا كلّ شئ.

ويبدو ذلك في التجاوز الذي حققوه في الفترة الأخيرة. والذي يتضح لنا من خلال ما قرأنا ونقرأ أو ما نسمع له من شعر في كافة الأقطار العربية رغم كل ما يواجهون به من اعتراضات من النقاد والأجيال السابقة، وأعتقد أن تجربتهم ناضجة وستحقق نصرًا كبيرًا للقصيدة العربية الحديثة في السنوات القليلة القادمة.

أنا لا أعتقد ذلك، وإذا ما اتفقت معك فإنني أفعل ذلك بحذر شديد، ذلك معظمهم الشباب- ولا أقول كلهم – الذين تقرأ لهم تجد في طيّات قصائدهم تنامُ أو تهمس أصداء وأصوات شعراء آخرين. ماذا تقول؟

أولا؛ أنا لم أقل أن الشباب حققوا كل شئ، أو في الأصح أنهم حققوا ما يطمحون إليه، وكذلك لا أريد أن ينسحب رأيي على جميع الشعراء الشباب، إنما أردت القول بأن هناك أصواتًا وإن كانت معدودة، أعطت تجارب متميزة وتستحق الانتباه والإصغاء، وأنا لا أنكر أن هناك أصواتًا شابة تسئ إساءة بالغة إلى قصيدة الشباب الحديثة.

من أجل أي شئ تكتب؟

من أجل أن أقول شيئاً جديدًا وجميلاً، من أجل أن أتسلق الكلمة وأوغل في اللغة .. وأقول لقلوب الأطفال هذا أنا، وهؤلاء أنتم وهذا الشعر.

بماذا ترتبط القصيدة عندك، بالدهشة أم بالتأمل؟

بما أن القصيدة عندي استشراف للمستقبل وقراءة للواقع فإنها مزيج من الدهشة والتأمل.


[المصدر]

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى