الإنتاج الفني والسردي

صورة الحياة المضطربة في قصة “جريمة في حفلة صيد” للكاتب أنطون تشيخوف

لماذا يحبس أهل هذا العالم أنفسهم داخل إطار أفكارهم الضيق، في الوقت الذي يوجد فيه متسع للحياة والفكر؟

     ليس بمقدور المرء أن يقاوم أعمال (تشيخوف) حتى وإن كانت في بداية مشواره الأدبي؛ لأنه ظاهرة ليست عادية في تاريخ الأدب الروسي، بل حتى أنفاسه تُعبّر عن الأدب. يقول (تولستوي) عن (تشيخوف): 

حينما أقرأ لـ(تشيخوف)، يتراءى لي ليس فقط أبطاله، بل حتى أسمع أصواتهم.

ولم يكتفي بهذا الأمر، بل راح يقول عنه:

فنان الحياة الذي لا يقارن به أحد.

 ففي قصة (جريمة في حفلة صيد)، وهي من الأعمال التي كانت في بداية مشواره الأدبي، يسلط  الكاتب الضوء على الطبقة الأرستقراطية بطريقة تجعلك تقرأ العمل بنفس واحد، ممكن أن نطلق عليها “بقصة بوليسية” يطغى عليها طابع المغامرات الغرامية، التي تنتهي بمأساة إنسانية. 

الحدث المهم في هذه القصة هو مقتل الفتاة ذات الرداء الأحمر في حفلة صيد، والتي تدعى (أولينكا)، وتوجه أصابع الاتهام إلى زوجها العجوز، ومن كان يحقق في هذه القضية هو عشيقها نفسه المحقق (زينوفيف). وفي النهاية يتم حبس زوجها لمدة ١٥ عاما مع الأشغال الشاقة، والقاتل الحقيقي يبقى طليقًا. وبعد مرور ٨ أعوام، يكتب المحقق القضائي قصة حول هذه الأحداث ويسلمها لصحيفة من أجل نشرها، ورئيس تحرير تلك الصحيفة يكتشف القاتل الحقيقي لهذه الفتاة من خلال قراءته لهذا النص، والقاتل هو نفسه المحقق القضائي، فرئيس التحرير يواجه المحقق القضائي بالحقيقة. وسوف أترك هذا الأمر للقارئ، يكتشف كيف جوبه المحقق بالأدلة الدامغة التي تجعله يعترف بما اقترفه من جريمة. 

يكشف لنا (تشيخوف) في هذه القصة الانحدار الأخلاقي لطبقات المجتمع آنذاك، ابتداءً من شخصية الكونت إلى أبسط قروي في تلك القرية، وحالة البذخ والعربدة التي تعيشها تلك الطبقات الأرستقراطية. والأهم من ذلك، نظرة هؤلاء إلى غيرهم وكأنما أمامهم حاجة رخيصة بإمكانهم شراءها وبيعها في أي وقت. ومن ثم يقدم لنا تشيخوف بطلاً مثقفا تلاعب بمشاعر الاخرين، والنتيجة كانت القتل بدم بارد. وكأنه يقول لنا في هذه القصة: ما فائدة الندم والعذاب الروحي بعد الإقدام على هذه الجريمة؟ وهل الندم والعذاب الروحي يكفر عن خطايانا؟ لم يكتفي (تشيخوف) بهذا الأمر، بل نجد في نصه هذا أيضا الصور الشعرية التي لا نظير لها، حتى في مسألة ضيق أفكارنا، فنجده يجد حلا لهذه الأمر، فيقول على لسان بطله:

قلتُ في نفسي: لماذا يحبس أهل هذا العالم أنفسهم داخل إطار أفكارهم الضيق، في الوقت الذي يوجد فيه متسع للحياة والفكر؟ لماذا لا يأتون إلى هذه الرحابة ؟

وفي نهاية قصة، يعلمنا (تشيخوف) درسًا في مفهوم هذه الحياة التي يوجد فيها الكثير من أمثال أوربينين التي قست عليهم الحياة، وتواروا في غياهب سجنها، فيقول:

الحياة مسعورة، فاجرة، ومضطربة كبحيرة في ليلة من ليالي أغسطس .. وارت تحت ستر أمواجها المظلمة الكثير من الضحايا، وترسب في أعماقها ثفل ثقيل.


بقلم: حسين علي خضير

تحرير: صبا بادغيش

زر الذهاب إلى الأعلى