الثقافة بين العلم والسحر؛ عند د.زكي محمود
قدّم د.(زكي نجيب محمود) للثقافة العربية الكثير من الكتب القيّمة، فضلًا عن ترجماته ومساهماته في إثراء المحتوى العربي، واختياراته المهمة في الترجمة أيضًا؛ مثل سلسلة (تاريخ الفلسفة الغربية) للفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) – بالمشاركة مع أستاذه (أحمد أمين) – أو ترجمته لأجزاء من (قصة الحضارة) للمؤرخ الأمريكي (ويل ديورانت).
كما قام بتأليف عدد من الكتب الفكرية والفلسفية الرائعة؛ أشهرها هو كتابه (تجديد الفكر العربي)، والذي تنشره (دار الشروق) المصرية. يقول د.(زكي نجيب) في الكتاب متسائلًا فيما لو كانت ثقافتنا العربية؛ ثقافة العالِم أم ثقافة الساحر؟ فيقول:
السحر والعلم كلاهما محاولة لرد الظواهر إلى عللها أو أسبابها، غير أن الساحر لا يقلقه أن يرد الظاهرة البادية للعين إلى علة غيبية ليس في وسع الإنسان أن يستحدثها أو أن يسيطر عليها، وأما العالِم فهو لا يقر نفسًا إلا إذا رد الظاهرة المحسوسة إلى علة محسوسة كذلك، ليمكن بعد ذلك أن نوجد هذه العلة المحسوسة فتتبعها الظاهرة إذا أردنا.
[…]
الساحر والعالم يقفان معًا إلى جانب مريض ليعملا على شفائه: فأما الساحر فيربط الظاهرة المرضية بالجن والعفاريت، وأما العالم فيربطها بجرثومة معينة، فبينما يصبح الطريق مفتوحًا أمام العالم للبحث عن الوسيلة التي يقتل بها تلك الجرثومة ليزول المرض.
ترى الطريق مغلقًا أمام الساحر ؛ لأنه لا يدري كيف يغالب هؤلاء الجن والعفاريت لينزاحوا عن المريض فينزاح المرض، لذلك يلجأ إلى وسائل لا علاقة إطلاقًا بينها وبين المرض وشفائه، كأن يدق الطبول أو يحرق البخور أو يكتب الأحجية والتمائم.
[…]
يختتم د.(زكي نجيب محمود) متسائلًا، ويترك للقارئ مساحته الشخصية في الإجابة على هذه الأسئلة:
فهل أقول إننا في حياتنا الثقافية ما زلنا في مرحلة السحر التي تعالج الأمور بغير أسبابها الطبيعية،
وإننا لولا علم الغرب وعلماؤه، لتعرّت حياتنا الفكرية على حقيقتها،
فإذا هي لا تختلف كثيرًا عن حياة الإنسان البدائي في بعض مراحلها الأولية ؟!
د. زكي نجيب محمود – تجديد الفكر العربي
المصدر:
- كتاب (تجديد الفكر العربي)، د.(زكي نجيب محمود) [دار الشروق]