العلوم البشرية والاجتماعية

كاي جاميسون في حديثها عن الحب كداعم في الحياة

كاي ردفيلد جاميسون، مواليد ١٩٤٦م. حصلت على الدكتوراه في (علم النفس السريري) من جامعة كاليفورنيا. تعمل حاليا كأستاذة للطب النفسي في كلية الطب، (جامعة جونز هوبكنز). عانت من مرض (ذهان الهوس الاكتئابي). في كتابها (عقل غير هادئ) ترجمة (حمد العيسى). الذي يعتبر سيرة ذاتية، تحدثت فيه عن معاناتها مع هذا المرض وكفاحها في التشافي منه و السيطرة عليه. تحدثت بحميمية غير مرة. عن الحب بصفته داعم مهم في محاولة الصمود ضد هذا المرض، للحب في تجربتهما مع المرض  تأثير قوي بجانب الدواء و العلاج النفسي. أحبت بقوه الأدب والموسيقى، وكتبت الشعر بجانب تأليف الكتب و البحوث العلمية. تعتبر الدكتورة (جاميسون) حالياً واحدة من أهم خبراء مرض (ذهان الهوس الاكتئابي) في العالم، كما حصلت على العديد من الجوائز العلمية الأمريكية والعالمية.

ففي أجمل معاني الحب سمواً و عمقاً تصفه كشيء يجعل الألم أكثر تحملاً:

لا يوجد مقدار من الحب، مهما كان يستطيع أن يعالج الجنون أو يجعلك سعيداً أثناء نوبات الأمزجة السوداوية. الحب يستطيع أن يساعد، ومن الممكن أن يجعل الألم أكثر تحملاً، ولكن دائماً يكون المرء معتمداً على الأدوية التي قد تنجح أو لا تنجح، ومن الممكن أن تكون محتملة أو غير محتملة.

ثم تقول :

ولكن إذا لم يكن الحب هو الترياق الشافي، فإنه بكل تأكيد يمكن أن يعمل كعلاج مساعد و مؤثر جداً. كما كتب (جون دن) : “الحب ليس مجرد فكرة نظرية وتجريدية كما يظن البعض , ولكنه يدوم وينمو“.

وليس هناك أكثر رمزية من حب الأم، فهي لم تكن تستطيع مواصلة الحياة لولا هذا الحب والدعم:

غالباً ما كان الشيء الوحيد الذي يجعلني أستمر هو الاعتقاد، الذي غرسته أمي منذ سنوات عديدة، أن الإرادة والعزم والمسؤولية هي ما يجعلنا أكثر سمواً كبشر في وجودنا. لكل عاصفة رهيبة صادفتني، كانت أمي، بحبها وإحساسها القوي بالقيم، تمدني برياح مضادة، ومساندة. وقوية.

الحب والدعم و العزيمة التي يبديها الطبيب لمريضه ربما تعمل عمل  الدواء الذي يصفه كمسكن للألم. (كاي جاميسون) وجدت هذا الحب الذي يقدمه الطبيب كشيء يقف جنباً لجنب مع الدواء والعلاج النفسي فهي تقول :”إن الدين الذي علي لطبيبي يفوق الوصف“.

انفصلت (جاميسون) من زوجها قانونياً لكن ظلت على اتصال دائم به قدم الحب والرعاية كصديق حتى بعد انفصالهما، تقول:

كان له تأثير رقيق ومهدئ علي عندما أكون متهيجة وقلقة أو مقلقة. لقد اعتنى بي خلال أكثر الأيام شناعة في حياتي، وأنا أدين له، فقط بعد طبيبي وعائلتي، بالفضل في نجاتي.

أحبت رجل إنكليزي تعرفت عليه كأستاذ زائر، وطبيب نفسي من السلك الطبي للجيش الملكي، حب (ديفيد) واهتمامه الصادق جرعة أخرى من العلاج فهي تصف ذلك الحب قائلة:

لقد تعلمت كيف يمكن أن يشفى العقل بأعجوبة بواسطة نصف فرصه، وكيف أن الصبر والنبل يمكنهما أن يعيدا تركيب قطع روح مبعثرة بصورة رهيبة. ما فرقه الألم إرباً إرباً يمكن لملاح خبير، وطبيب نفسي من الطراز الأول، ورجل حب وحنان، أن يعيد تركيبه كما كان في الأصل تقريباً.

هذا الحب أعادها إلى الاستمتاع بالحياة بشكل طبيعي رغم المرض:

بدأت أستمتع بالموسيقى والرسومات مجدداً، بدأت أضحك مجدداً، بدأت أكتب الشعر مجدداً. ليال طويلة و صباحات مبكرة من العواطف الرائعة جعلتني أعيد الاعتقاد، أو أتذكر، أهمية الإحساس بأن أعيش لأحب، وأن أحب لأعيش.

وعن تفهمه بعد أن أخبرته عن مرضها، تقول:

كان (ديفيد) شديد العطف والتفهم لحالي، وسألني سؤالاً بعد سؤال عن معاناتي، وعن أكثر الأوقات صعوبة، وعن أشد ما يخيفني، وما الذي يمكنه عمله عند مرضي. وبطريقة ما، بعد المحادثة، كل شيء أصبح سهلاً بالنسبة لي: شعرت، للمرة الأولى، أنني لست وحيدة في مقاومة كل الألم والخوف من المجهول، وكان من الواضح بالنسبة لي أنه كان يريد بصدق أن يفهم مرضي وأن يهتم بي. لقد بدأ بذلك في تلك الليلة.

في نهاية كتابها تعود لتأكد على قيمة الحب كأداة حماية، فالحب و الحنان الذي أحاطها بها الأصدقاء و العائلة كان مساند لها في تجاوز الحزن و الألم و الخوف و الهزيمة ضد المرض. فالحب كما تصوره (جاميسون) يجعل الحياة أكثر تحملاً :

الحب، بالنسبة لي، هو الجزء الجوهري الاستثنائي من هذا السور العازل للأمواج، إنه يساعدني على صد الرعب و الوحشية بينما، في نفس الوقت، يسمح بدخول الحياة والجمال و القدرة على البقاء. عندما فكرت لأول مرة بتأليف هذا الكتاب، تخيلته كتاباً عن الأمزجة ومرض الأمزجة في سياق حياة شخص ما. ولكن عندما كتبته، تحول بطريقة ما ليكون على نحو كبير كتاباً عن الحب أيضاً، الحب كعامل مؤازر، والحب كعنصر مجدد، والحب كأداة حماية. بعد كل ما بدا أنه موت في عقلي أو قلبي، عاد الحب ليعيد خلق الأمل ويسترد الحياة. لقد استطاع، في أحسن حالاته، أن يجعل الحزن الذي ورثته في الحياة أكثر تحملاً، وأن يجعل جماله جلياً. لقد زودني، بطريقة يتعذر تعليلها ولكنها منقذة، ليس فقط بعباءة ولكن بمصباح للمواسم القاتمة والطقس الكالح.


بقلم: حصة سليمان
تحرير: أحمد بادغيش
زر الذهاب إلى الأعلى