تأملات فاطمة المرنيسي في تحرر المرأة في المجتمعات المسلمة
إذا أردنا الحديث عن النسوية في عالمنا العربي لابد أن نذكر بعض الأسماء النسوية المُلهمة، وإن كانت قليلة، أحد أهم هذه الأسماء هي عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، وهي من مواليد فاس عام 1940، والتي تابعت دراستها الجامعية بالرباط ثم درست العلوم السياسية في جامعة السوربون بفرنسا، فجامعة برانديز في الولايات المتحدة حيث حصلت على شهادة الدكتوراه، ومنذ الثمانينات أصبحت مُدرسة في جامعة محمد الخامس بالرباط. لها العديد من المؤلفات التي تُرجمت لعدة لُغات، والتي تُسلط فيها الضوء على المرأة المُسلمة وأوضاعها في المغرب والوطن العربي والعالم الإسلامي، مع عقد المُقارنات بين أوضاع النساء وحقوقهن قديمًا وحديثًا. المرنيسي كانت كتساؤلات وأفكار نسائية مسموعة، عبرت بقلمها عن هواجس النساء وتساؤلاتهن في كُتبها، اهتمت المرنيسي بمسألة تعليم المرآة وحقها في الثقافة والتعبير عن نفسها بحرية، كما اهتمت بالنسوية والمفاهيم الخاصة بالمرأة في المجتمع الإسلامي وتحرر المرأة فيه. وناقشت قضايا شائكة عدة في مؤلفاتها، خاصة في كتاب (تمرد المرأة والذاكرة الإسلامية)، حيث ناقشت قضايا تحرر المرأة وجنسانيتها في المجتمعات المسلمة الحديثة، والذي انطلقت فيه من أساس أن إشكالية التحرر في المقام الأول هي إشكالية مادية لا روحانية وأن التحرر في المقام الأول مسألة توزيعٍ للموارد. والإشكال الثاني بالنسبة لفاطمة المرنيسي هو قلة النماذج المؤثرة (للنساء المتحررات)، فتذكر المرنيسي:
“إن ردة الفعل القوية من قبل المسلمين تجاه مسألة تحرر المرأة إشكالية تُعزى إلى قلة النماذج (للنساء المتحررات). فالنموذجين الرئيسين أحدهما هو النموذج العربي الداخلي، ذلك الخاص بالعائلة وأنماط الجنسانية في حقبة ما قبل الإسلام، والثاني هو النموذج الغربي. إن النماذج الاشتراكية مثلا رغم أهميتها لأنماط العائلة والجنسانية بالكاد معروفة ويتم تجاهلها بشكل ممنهج ومقصود. وكلا النموذجين الإسلامي والغربي يقدمان نموذجا مجروحًا للجنسانية”.
فتشرح فاطمة المرنيسي أن إشكالية الجنوسة في الإسلام تنطلق من مفهوم الجنسانية ما قبل الإسلام. وأن الجنوسة في ما قبل الإسلام توصف عادةً بأنها فوضوية، وتتفشى فيها العلاقات الجنسية غيرُ الشرعية، التي أساسها هو حرية إرادة المرأة، وحرية اختيار شريكها في العملية الجنسية وعدم أهمية الشرعية لدى الأب البيولوجي:
“إن الفكرة من حرية إرادة الأنثى الجنسية المُشار إليها (تحرر المرأة) تثير على الأرجح مخاوفًا موروثة من هذه المرأة (غير المتحضرة) الجاهلية، التي كان الذكر قبلها محروم من سيطرته وجميع امتيازاته عليها”.
تؤكد المرنيسي أن خلط حرية الإرادة الجنسية للمرأة مع الفوضوية الجنسية، لم يقتصر فقط على المجتمعات المسلمة التي تواجه تغييرات بالغة في بنية العائلات فيها، بل أن هذا الخلط كان موجودًا من قبل حتى في المجتمعات غير المُسلمة:
“هذا الخلط وجد، ولا يزال موجودا في أي مجتمع يقوم نظامه العائلي على اضطهاد المرأة. فقد كان على ماركس وإنجلز مهاجمة هذا الخلط لدى الكتاب البرجوازيين بشكلٍ متكرر، الذين شوهوا تفكيرهم عن أية عائلة لم يتمُ فيها الحط من مكانة المرأة إلى منزلة دُنيا خاضعة، وكان عليهما أن يُـبينا مرارًا وتكرارًا أن الجنسانية غير البرجوازية القائمة على أساس المساواة بين الجنسين لا تؤدي بالضرورة إلى علاقات جنسية غير شرعية”.
ثم تعرّج على الفكرة السابقة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية:
“الزواج الإسلامي يقوم على افتراض أن النظام الاجتماعي يمكن المحافظة عليه فقط إذا تم تقييد خطورة الفوضى الكامنة للمرأة من قِبل الزوج المسيطر. ولذلك فإن المخاوف المرتبطة بنظام العائلة تبدو مبررة، حيث هذه المخاوف مغروسة في الثقافة عبر قرون من اضطهاد المرأة. فمن المفهوم أن الذكور المسلمين يشعرون برعب من فكرة تحول أنماط عائلاتهم وحياتهم الجنسية إلى أنماط غربية. من حيث أن صفات الجنسانية في الثقافة الغربية هي تشويه لاستقامة المرأة. وهذا أيضا يبدو مفهوما فقد اقترض تحرر المرأة المسلمة كثير من صفات المرأة الغربية مثل الزي الغربي في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن العشرين والذي كان بالمناسبة هو لباس المرأة المستعمِرة”.
هذا المنحى الذي سلكه تحرر المرأة لأسباب يطول ذكرها، جعل فاطمة المرنيسي تبحث في معقولية مخاوف الرجل المسلم من فكرة تحرر المرأة، والتي تجدها مفهومة في كثيرٍ من الأوقات:
“إن المخاوف التي أيقظها تغريب المرأة والذي لازم تحرير المرأة منذ أوائل القرن العشرين إلى يومنا هذا يمكن تفسيرها ببساطة على أنها مثال آخر سلسلة تمييز الذكر بصفته كائن عقلاني أكثر من المرأة، فالمجتمع المسلم مؤمن بأن الذكور قادرين على اختيار ما هو جيد في الحضارة الغربية، وترك ونبذ ما هو سيء وغير نافع. في حين النساء غير قادرة على الاختيار بشكل صحيح وهذا ما يتوافق مع الآراء الإسلامية بشكلٍ عام. وهناك عامل آخر يساعد في فهم مخاوف الرجال من التغييرات التي تحدث الآن، وهو أن تغريب المرأة قد عزز من قدرتها الإغرائية. وهو ما يعارض الأخلاق الإسلامية، ومن المثير للاهتمام أنه لما كان على حركات تحرر المرأة الغربية رفض ظهور جسد المرأة واستغلاله في وسائل الإعلام الإباحية، كانت المرأة المسلمة على الأرجح تطالب بحقها في جسدها كجزء من تحررها والذي يملكه بالأساس الذكر الزوج أو الأب أو الشقيق. ونستطيع ربما أن نفهم من انتشار صالونات التجميل هو تمهيد لإلحاح المرأة على المطالبة بجسدها”.