العلوم البشرية والاجتماعيةترجمات حصرية

عن الوحدة حتى في حالة الحب لدى سيلڤيا ثلاث

"الحياة هي الوحدة، هناك فرح، وإشباع، ورفقة، لكن وعي الروح بوحدتها المرعبة، أمرٌ فظيع لا يقاوم."

لقد لاحظ علماء النفس الغربيين بكل دقة أن: “من نكون ومن ونصبح يعتمد، إلى حدٍ ما، على من نحب.” كما لاحظ البوذيين الزن: “عندما تُحب، دون أن تعرف كيف تحب، تؤذي من تُحب.” هذه الثغرة بين من وكيف، بين أهداف حُبنا ومراعاة حبنا، تملك هذه الثغرة مساحة هائلة للتغير. لأولئك منا الذين لم يأتوا إلى العالم في ظل ظروف أفضل، ولم يتم تنشئتهم من قبل أكثر العوامل حنانًا، تصبح العلاقات لدينا أرض خصبة بشكل استثنائي لتنمية الجذور المزدوجة للروح المستقرة: أي الحب والثقة.

ومع ذلك، دائمًا ما يكون هناك شعور بالوحدة، حتى في الحب الأكثر سيمفونية، لا أقصد “العزلة المجاورة” المبهجة التي وضعها (ريلكه) في محور العلاقات الصحية، لكن الوحدة المجوّفة التي تكمن في عدم الانتماء، في عدم الشعور مطلقًا بأنك مرئي تمامًا، وهو ما وضعته شاعرة أخرى في قلب شعرها وألمها قبل أن تهلك بسبب تلك الوحدة.

(سيلفيا بلاث) [ولدت في ٢٧ أكتوبر ١٩٣٢م – توفت في ١١ فبراير ١٩٦٣] كانت لا تزال مراهقة عندما بدأت تواجه أعمق الأسئلة الوجودية، كانت تفك تشابك تلك الأسئلة بوضوح غير مألوف على صفحات مذكراتها، التي تعرف الآن باسم (مذكرات سيلفيا بلاث)، أعطانا صدى (بلاث) المبهر والمربك بعد وفاتها، (بلاث) التي تجد نشوة في الفضول، أعطانا ذلك الصدى أفكارها عن الحياة، والموت، والأمل والسعادة.

في مقدمة، من شتاء سنتها الأولى في كليّة سميث، كتبت (بلاث) عند عودتها إلى سكنها بعد أربعة أيام وهي تشعر بانها في ضباب بعد قضاء عيد الشكر مع عائلتها:

أعتقد بأني أعلم ما هي الوحدة، أو الشعور بالوحدة العابرة على أي حال، تأتي الوحدة من لب غامض في النفس، كمرض في الدم، ينتشر في جميع انحاء الجسم بحيث لا يمكن تحديد أساس المنبت، أي موقع العدوى.

هذه الوحدة ستختفي وتقل، بلا شك، عندما أغوص غدًا في الفصول الدراسية مجددًا، وفي ضرورة الدراسة للاختبارات. أما الآن، فقد كُشِف هذا الهدف الكاذب، وأنا الآن أدور في خواءٍ مؤقت. ولو قمت بالسير أسفل الممر، ستتثاءب مني القاعات الفارغة وسوف يسخر مني كل جانبٍ فيها.

بالنظر إلى ما وراء هذا الموقف المباشر، ما وراء هذه اللحظة بالذات في حياتها، فإنها تعطي نظرة تنبؤية قاتمة نحو مسبحة اللحظات التي توتر مستقبلها غير المؤكد، مستقبلًا سيشمل عما قريب حبًا عظيمًا ومؤذيًا في الآن ذاته، مستقبلًا يقتطعه وحدة ألمها، كما تضيف:

يا إلهي، الحياة هي الوحدة، على الرغم من كل المسكنات الأفيونية، وعلى الرغم من حدة صخب “الحفلات” التي بلا هدف، وعلى الرغم من الوجوه المبتسمة الزائفة التي نرتديها جميعًا، وأخيرًا، عندما تجد شخصًا واحدًا تشعر بانك تستطيع أن تفرّغ ما في روحك إليه، تتوقف مصدومًا بالكلمات التي تتفوه بها، كم هي قبيحة ومتصدئة، وضعيفة، وبلا معنى بسبب احتفاظك بها في الظلام الضيق في داخلك، نعم، هناك فرح وإشباع ورفقة، لكن وعي الروح بوحدتها المرعبة، أمرٌ فظيع لا يقاوم.

كانت مأساة (بلاث) تتمثل في أن الحياة منحتها كيمياء عصبية وتنشئة بعيدة عن أي مستوى مثالي، وأن لذّة وهم الاختيار قادتها إلى حب معقد عمّق فنها وعمّق الألم الذي انبثق منه، لكن مأساتها الكبرى [وهي مأساة شائعة؛ غالبا ما تقودنا جروحنا التي لم تلتئم إلى أشخاص تلائم مخالبهم تلك الجروح، وتعمّقها]، محاطة بالفضاء المضيء للاحتمال المعاكس. يمكن لبعض الأحباء أن يكشفوا، ويشعوا، ويشفوا تلك الأماكن الصغيرة، والقديمة، والمظلمة، تلك الأماكن حيث يتحول الفرح إلى وحدة مكثفة وقاسية.

أصبح هذا الاحتمال، الاحتمال المعاكس، مطوي في شريط عظيم ومجنون من موبيوس للثقة، تتطلب العلاقات ذاتها التي يمكننا من خلالها أن نبدأ في تنمية تلك الجذور المزدوجة للروح، مستوى من الثقة لبدء العملية المرعبة المتمثلة في أن نكون معروفين لدى بعض. وهي عملية، وضعتها (أدريان ريتش) [شاعرة أمريكية] في قلب كل علاقة حصل فيها كلا الشخصان على الحق في استخدام كلمة “الحب”، علاقة جديرة بالاحترام تتشكل من خلال:

عملية دقيقة، عنيفة، مرعبة لكلا الطرفين المعنيين، عملية تنقيح الحقائق التي يمكن أن يقولها كل منهما للآخر.


[المصدر]

ترجمة: سارة السبيعي
مراجعة وتحرير: أحمد بادغيش
زر الذهاب إلى الأعلى