الفن كخطر على المعاناة الإنسانية عند كازاتاكيس
نيكوس كازانتاكيس (1883-1961) كاتب يوناني، مؤلف رواية (زوربا اليوناني) التي تعدّ أكثر أعماله شهرة، والتي أَنتج عنها المخرج (مايكل كاكويانيس) فيلمًا، ولد (نيكوس) في جزيرة كريت اليونانية، وترشح لجائزة نوبل للآداب 1957 لكنها خسرها ليفوز بها (ألبير كامو) بفارق صوت واحد، وفي كتابه (تقرير إلى غريكو) الذي كان صرخته الأخيرة قبل وفاته والذي نشرته زوجته بعد وفاته، يحكي (نيكوس) عن قدرة الفن على الخداع وإغواء الإنسان لجعله ينسى مصابه، ويقول:
ذات مساء كنت متعبًا من مشاعر النهار المرهقة، انكببت على مكتبي وبدأت أقلب كتابًا عن فن عصر النهضة محاولًا أن أنسى كل ما رأيته وسمعته وعانيته وأنا أتجول منذ الصباح الباكر. أكثر من الخمرة والحب، أكثر خداعًا من الأفكار، هي قدرة الفن على إغراء الإنسان وجعله ينسى. يحل الفن محل الواجب، بكفاحه لتحويل الزائل إلى أزلي ولتحويل معاناة الإنسان إلى جمال.
ويتساءل :
ماذا يهم إن كانت طروادة قد انتهت إلى رماد، وإذا كان بريام وأبناؤه قد قتلوا؟ بأي طريقة كان العالم سيستفيد، وكم كانت روح الإنسان ستزداد فقرًا، لو أن طروادة استمرت في الحياة السعيدة، ولو أن هوميروس لم يأت لتحويل المذبحة إلى أبيات خالدة؟
تمثال، بيت شعر، مأساة، لوحة .. تلك هي النصب التذكارية السامية التي أقامها الإنسان على الأرض
سامية ولكنها أيضًا الأكثر خطرًا على المعاناة الإنسانية اليومية، الفن يعلمنا أن نحتقر الإهتمام اليومي الصغير بالطعام وحتى العدل، إننا ننسى أن هذا هو الجذر الذي غذى الزهرة الخالدة، لقد كان المسيحيون الأوائل على حق في أن يريدوا من فنانيهم أن لا يجعلوا العذراء جميلة في لوحاتهم الدينية، جمالها يغوينا فننسى أنها أم الله.