عن الإحساس بالوحدة عند أوليفيا لاينغ
أوليفيا مانينغ (1908-1980). هي روائية بريطانية حائزة على لقب “رتبة الإمبراطورية“. تعددت اختصاصات (أوليفيا)، فبجانب كونها روائية كانت أيضاً شاعرة، وكاتبة، وناقدة. وقد تضمنت رواياتها الخيالية والواقعية تفاصيل من رحلاتها ومغامراتها الخاصة في إنجلترا وأيرلندا وأوروبا والشرق الأوسط. غالباً ما كانت (مانينغ) تكتب مذكراتها من خلال تجاربها الشخصية، وتظل كتبها خير دليل على مقدرتها الإبداعية في الكتابة. ويرجع سبب انتشار كتبها على نطاق واسع إلى تمتع (مانينغ) بحس فني مرهف وتصويرها الحي للأماكن.
أهدت (أوليفيا لاينغ) كتابها (المدينة الوحيدة) إلى كل من عانى من ألم الوحدة و النبذ بسبب الاختلاف:
إن كنت وحيداً
إن كنتِ وحيدة
فهذا الكتاب موجة إليك
تقول في كتابها:
بإمكانك أن تكون وحيداً في أي مكان ، ولكن هناك نكهة خاصة للوحدة التي تعيشها في مدينة ، و أنت محاط بالملايين من البشر .
قد يعتقد البعض أن هذه الحالة مناقضة لأسلوب الحياة في المدينة ، للحضور البشري الهائل من حولك ، ولكن القرب المادي وحدة لا يكفي لتبديد الشعور الداخلي بالعزلة . إنه من الممكن-و السهل حتى- أن تشعر بأنك بائس و مهجور و أنت محاط بالآخرين . بإمكان المدن أن تتحول إلى أماكن وحيدة ، و باعترافنا هذا سنتمكن من اكتشاف أن الشعور بالوحدة لا يقتضي بالضرورة الانعزال الجسدي ، بل يقتضي غياب أو ندرة العلاقة ، القرب ، العطف : إن الشعور بالوحدة يأتي من عدم القدرة ، لسبب أو لآخر ، على العثور على القدر المُراد من الألفة . التعاسة ، كما يُعرّفها القاموس ، هي نتيجة العيش دون رفقة الآخرين . و من الطبيعي أن تصل هذه التعاسة إلى أقصاها حين تكون محاطاً بالجموع دون أن يُرافقك أحد .
و استشهدت (أوليفيا) بسيرة (فاليري سولا ناس) كمثال على أن الوحدة هي إحساسك باختلافك وهي غربتك و أنت وسط الآخرين ، حيث أن (فاليري) ألفت كتاب عن العزلة الاجتماعية وتم رفض كتابها مما ضخم احساسها بالوحدة.
كانت الكلمات بالنسبة لها كل شيء . هي الوسيلة الوحيدة التي تصلها بالعالم . وكانت مصدر قوتها الوحيد ، وكانت الكلمات طريقتها المفضلة لإعادة تشكيل المجتمع بشروطها وإمتلاءاتها . وفكرة احتمالية خسارتها لسيطرتها و تحكمها في كلماتها كانت مخيفة جداً بالنسبة لها . وأوصلها ذلك إلى مرحلة من جنون العظمة ، حيث أصبحت مسلّحة و مستعدة لمقاومة أي توغل أو هجوم من الخارج .