رسالة (كورت فوغنيت) الجميلة إلى أحد المدارس الإعدادية
مارسوا أي فن، موسيقى، غناء، رقص، تمثيل، رسم، تشكيل، نحت، شعر، قصص، مقالات، تقارير صحفية، مهما كانت النتيجة جيدة أو سيئة
كتب الكاتب الأمريكي المعاصر (كورت فونغيت) أكثر من عشر روايات بعد عودته من الحرب الكونية الثانية ومن ثم انخراطه دراسة وتدريس في علم الإنسان، وألقت تجربته فيهما ظلالها على كتابته المناهضة للحرب والمتخمة بالتحليلات المثيرة لتطور الشخصيات عبر خط زمني شيق شرحه في أحد لقاءاته الجماهيرية، وعلى امتداد حياته الأدبية كان دوما يبدو شخصاً مرحباً محتفياً بالحياة الجميلة، يحث الناس على الاحتفاء بجماليات اللحظة التي هي رهن أيدينا ويشير إلى أهمية العيش فيها.
في أواخر حياته تلقى رسائل من طلاب مدرسة ثانوية بالولايات المتحدة (ثانوية زايفير في ولاية نيويورك)، كانت الرسائل مكتوبة بتكليف من معلمة لطلابها تحثهم على التفاعل مع من يحبون من الكتاب بقصد تنميتهم مهاراتهم في التواصل وحصد المعرفة، كان كاتبنا الأمريكي الوحيد الذي استجاب للرسائل وبعث بهذه الرسالة التي انتشرت منذ حينها على شبكة الانترنت بعد أن نشرها طالب في تلك الثانوية وتقوم ساقية بترجمتها الحصرية، وذروة قصد الرسالة يتلخص في أن يُمارس المرء كل ما يمكنه أن يعثر فيه على نفسه ويشعره بوجوده ويجعل روحه تنمو، فيتحقق بهذا صلاح نفسه والناس من حوله، أو كما يقول هو في تعبيره الذي يستعيره من ابنه مارك -الذي سماه على الكاتب الشهير (مارك توين)- في الإجابة عن سؤال ماذا تعني هذه الحياة؟ فيقول أننا هنا موجودون لنساعد بعضنا في تجاوز ما نمر به فيها أياً كان اسمه، فإلى الرسالة القصيرة المليئة بالفطنة والجاذبية.
الخامس من نوفمبر 2006
الأعزاء مدرسة زايفير الثانوية، السيدة (لوكوود)، السادة (بيرن)، (مكفيلي)، (ماورور) و(كونجيواستا):
أشكركم على رسائلكم اللطيفة. أكدتم قدرتكم على بعث البهجة في نفس رجل طاعن بالسن [عمره 84 سنة] وهو يعيش أفول شمس عمره. لم أعد أشارك في اللقاءات العامة نظراً لأني رُددت في آخر عمري إلى حالة من الخمول أشبه فيها سحالي الإغوانا.
ما أريد قوله لكم، علاوة على ذلك، لن يستغرقني كثيراً، القصد هنا: مارسوا أي فن، موسيقى، غناء، رقص، تمثيل، رسم، تشكيل، نحت، شعر، قصص، مقالات، تقارير صحفية، مهما كانت النتيجة جيدة أو سيئة، مارسوا ذلك لا للحصول على المال أو الشهرة، بل كي تشعروا بوجودكم، للعثور على ما بداخلكم، ولتنمية أرواحكم.
بكل جدِّية! يجب عليكم البدء بذلك فوراً، اشتغلوا بالفن وقوموا به حتى آخر حياتكم. ارسموا لوحات مضحكة أو لطيفة للسيدة (لوكوود)، وسلموها إياها. ارقصوا في الطريق إلى بيوتكم، غنّوا أثناء الاستحمام دوماً. ارسموا وجوها بالبطاطا المهروسة التي تأكلونها. تصرفوا كما لو كنتم الكونت (دراكولا).
الآن، هاكم مهمة لتقوموا بها الليلة، وأرجو أن تطردكم السيدة (لوكوود) من الكلية إذا لم تنفذوا المهمة: أكتبوا قصيدة من ستة أسطر، عن أي شيء، بشرط أن تكون مقفاة. إن قصيدة بدون وزن تشبه لعب التنس بدون شبكة. قوموا بها كأحسن ما يمكنكم القيام. لكن لا تخبروا أي أحد عن ذلك. ولا تُروها ولا تتلوها على أي أحد، حتى لمحبوباتكم أو آباءكم أو أيا كان، ولا للسيدة (لوكوود). حسنا؟
بعد ذلك مزقوها نتفاً صغيرة، وارموها في سلال مهملات متباعدة. سترون أنكم حينها قد حزتم على العطايا المجيدة للقصيد. لقد جربتم أن تكونوا، تعلمتم الكثير عما في دواخلكم، وجعلتم أرواحكم تنمو.
بارككم الرب جميعاً!
كورت فونغيت
[المصدر]
ترجمة: علي الضويلع
تحرير: أحمد بادغيش