بين الانتحال والمحاكاة، بيسوا يتحدّث عن فن الترجمة.
أنطونيو فرناندو نوغيرا دي سيابرا بيسوا (1888–1935) هو شاعر، وكاتب وناقد أدبي، ومترجم وفيلسوف برتغالي، ويوصف بأنه واحد من أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، وواحد من أعظم شعراء اللغة البرتغالية، كما أنه كتب وترجم من اللغة الإنجليزية والفرنسية.
ما تزال عملية الترجمة باعتبارها فنًا، من الممارسات التي شكلت هاجسًا لدى كثير من الأدباء والفلاسفة والباحثين، فبالنظر من ناحية استحواذ روح الكاتب على النص الأصلي، وتفلّت النص تدريجيًا من هيمنة هذه الروح أثناء انتقاله إلى لغة مختلفة تمامًا – وإن كانت اللغات في عمومها تتلاقى وتتشابه -، إلا أن اللغة محمّلة بالثقافة التي تتصل بها اتصالًا عميق الأثر لا بد أن تظهر تبعاته، فهل تُعدّ الترجمة عملا مستقلا استقلالًا حقيقيًا، أي أننا نتحدث عن إنتاج عمل أدبيّ جديد، أم أنها انتحالات مجرّدة لا يملك المترجم فيها إلا تقمّص دور الكاتب ونقل الصورة التي يريد؟
في كتاب (الأعمال النثرية المختارة) والذي ترجمه للإنجليزية (ريتشارد زينيث)، ومن ثم للعربية بواسطة (أمير زكي) في مدونته، يناقش (بيسوا) الترجمة كفن محاط بالتحديات، ويعيد تعريفها من خلال علاقة المترجم بالكاتب والنص في حديث مثير للاهتمام، يقول:
أنا لا أعرف إن كان أحد قد كتب تاريخا للترجمة؛ سيكون كتابا طويلا ولكنه مثير جدا للاهتمام. مثله مثل تاريخ الانتحالات – كتاب مهم ممكن آخر ينتظر كاتبه الحقيقي – سيكون محاطا بالدروس الأدبية، هناك سبب لأن يستحضر شيء ما شيئا آخر: الترجمة ليست سوى انتحالا باسم الكاتب، تاريخ المحاكاة الساخرة سيكمل السلسلة، لأن الترجمة هي محاكاة جادة للغة أخرى.
العمليات العقلية المتضمنة في المحاكاة الساخرة هي نفسها المتضمنة في الترجمة بشكل تام، في الحالتين هناك إعادة استخدام لروح الكاتب لغرض غير موجود عنده. في الحالة الأولى يكون الغرض هو السخرية، في حين يكون الكاتب جادا؛ في الحالة الأخرى يكون الغرض لغة محددة، في حين كتب المؤلف بأخرى. هل سيحاكي أحد في يوم ما قصيدة ساخرة بقصيدة جادة؟ هذا غير مؤكد. ولكن بلا شك يمكن للكثير من القصائد – حتى القصائد العظيمة – أن يضاف لها بأن تُتَرجَم للغة نفسها التي كتبت بها.
أيهما أولى بالعناية؛ الكاتب أم النص؟ يطرح بيسوا رأيه في هذه الإشكالية ومدى اتصالها وأثرها على فعل الترجمة يقول:
هذا يستحضر إشكالية إن كان الفن أم الفنان هو الأكثر أهمية، الفرد أم المُنتَج، إن كان المُنتَج هو الأهم، وهو الذي يجلب البهجة، إذن سيكون من المُبَرَر أن تأخذ قصيدة لشاعر مشهور – لا تكون من القصائد المتسمة بالكمال – وفي ضوء نقد عصر آخر، تجعلها تتصف بالكمال بالحذف والاستبدال والإضافة. قصيدة وردزوورث “نشيد الخلود” قصيدة عظيمة ولكنها بعيدة جدا عن أن تتسم بالكمال. يمكن إعادة تركيبها لتكون أفضل.
للترجمة مستويات، وهناك مستويات محددة في نظر بيسوا تجعل من فعل الترجمة مثيرًا وذا جدوى، يختم بيسوا حديثه عنها قائلًا:
المثير في الترجمة يتحقق عندما تكون صعبة، أي أن تكون من لغة ما إلى لغة أخرى مختلفة تماما، أو تكون لقصيدة معقدة جدا حتى لو كانت الترجمة إلى لغة مشابهة جدا. لا توجد متعة في الترجمة – قل – بين الإسبانية والبرتغالية؛ أي شخص يستطيع قراءة إحدى اللغتين يمكنه بشكل آلي أن يقرأ الأخرى، بالتالي يبدو حينها أنه لا جدوى من الترجمة، ولكن ترجمة (شكسبير) إلى واحدة من اللغات اللاتينية سيكون عملا مبهجا؛ أنا أشك إن كانت ترجمته تصلح إلى الفرنسية، سيكون من الصعب الترجمة إلى الإيطالية أو الإسبانية؛ أما البرتغالية، كونها أكثر مرونة وتعقيدا، فمن الممكن أن تقبل الترجمة.