الإنتاج الفني والسردي
قيمة الموسيقى عند سيوران
في كتابه الشهير (المياه كلها بلون الغرق)، والذي يُعد أول كتب إميل سيوران (1911-1995) ترجمة إلى اللغة العربية، أفرد (سيوران) عدة صفحات عن الموسيقى، فقد عُرف عنه تعظيمه للموسيقى، حتى على حساب الفلسفة التي درسها ودرَّسها، فيقول مثلًا:
ولماذا نعاشر (أفلاطون) إذا كان أي ساكسفون قادرًا هو أيضًا على أن يكشف لنا عن عالم آخر.
فالموسيقى قادرة على الكشف عن عوالم أخرى، غير تلك التي نقدر على الكشف عنها في حياتنا. فتعريفه لعالم المسموع أو عالم الموسيقى كان:
العالم المسموع: المحاكاة الصوتية لِما لا يُوصف. اللغز المنشور. اللانهائي المرئي والمستعصي على المَسك .. حين يحدث لنا أن نمتحن فتنته، يصبح حلمنا الوحيد أن نُحَنّط في آهة.
ويقول أيضًا عن الموسيقى:
الموسيقى هي ملجأ الأرواح التي جرّحتها السعادة.
وعلى الرغم من أنه صرّح في كثير من كتاباته بتمنّيه للموت، وبأن الحياة بلا معنى، إلا أنه بدا مختلفًا بعض الشيء عندما تحدث عن الموسيقى، كمقولته:
مرّت بي لحظات، كنت خلالها أستبعد وجود أبدية في وسعها أن تفصل بيني وبين (موزارت)، ومن ثم، كنت أفقد كل خوفٍ من الموت. حدث الأمر نفسه مع كل موسيقيّ. مع الموسيقى كلها.
أو مقولته الأخرى عن الألحان، والتي اختار المترجم أن ينقلها بلفظتها “ميلودي” كما هي:
وماذا تساوي أي “ميلودي” بإزاء تلك التي تخنقها فينا الاستحالة المزدوجة للحياة والموت.
ولكن، هل كلّ ما عُزف على الأوتار يدخل في مقولاته هذه؟ ويُعتبر ملجأً للأرواح الجريحة كما قال في مقولته السابقة؟ هنا يتدخل (سيوران) ليضع شيئًا من الحقيقة لبعض الموسيقى، ويسلبها عن غيرها. فيقول:
لا موسيقى حقيقية غير تلك التي تجعلنا نجُسّ الزمن.
ونختتم أيضًا بمقولة أخيرة عن الموسيقى، يقول فيها:
اللانهائي “الراهن”، الذي تعتبره الفلسفة غير معقول، هو حقيقة الموسيقى وماهيّتها.