مارغريت دوراس، في الكتابة والكتب.
مارغريت دوراس (1914-1993) شاعرة وكاتبة وكاتبة مسرحية ومخرجة فرنسية. اشتهرت في فرنسا والعالم الفرنكفوني بالتنوع الأدبي والمعاصرة، كما كانت كاتبة للقصص القصيرة وسيناريوهات الأفلام وهي تعتبر من أهم الأدباء الفرنسيين في النصف الثاني من القرن العشرين.
في كتابها (أن تكتب؛ الروائي والكتابة)، تتحدث عن نفسها إذا كتبت، وعن الكتابة والكتب في إلماحة رائعة تقول فيها:
كتابتي تتم كل صباح، ولكن بغير توقيت مضبوط. اللهم لوقت المطبخ، إذ أعرف متى يلزم أن أتحرك، ومتى يغلي الإبريق، أو لتجنب احتراق. وكذلك الشأن مع الكتب. أقسم بهذا. لم أكذب في حياتي، قط. ولا في حياتي كذبت. اللهم على الرجال. أبداً لم أكذب. ويرجع السبب إلى تخويف أمي لي بحكاية الغولة التي تقتل الأطفال الكذابين.
تتابع حديثها قائلة:
أظن أن هذا ما نراه عبر الكتابة: إنها مفبركة، منظمة، مقننة، تكاد تصبح متطابقة. حيث الكاتب يقوم بوظيفة المراجعة، وإذن يغدو بمثابة شرطيه الشخصي. أعني بهذا البحث عن الشكل الحسن، أي الشكل السائد أكثر، الأشد وضوحاً والأقل هجومية. وما زالت هناك أجيال ميتة تصنع كتباً محتشمة، بل وبين الشباب أيضاً، ممن يضعون كتباً لطيفة، بدون أية امتدادات، بلا ليل ولا صمت، وبعبارة أخرى بلا قيمة حقيقية. كتب نهار، أسميها، لتزجية الوقت، وأثناء السفر، لكنها لا تنقش في التفكير أبداً وتقول الحداد الأسود لحياة بأكملها، والمدار المشترك لكل تفكير.
ثم تتحدث في موضع آخر:
لا أعرف ما هو الكتاب. لا أحد يعرف. لكننا نعلم أن هناك كتاباً. وحين لا يوجد شيء، نعرف ذلك معرفتنا أننا لم نمت بعد.
لكل كتاب, كما لكل كاتب معبر صعب، لا يمكن اجتنابه. وعليه أن يتخذ القرار بترك الخطأ في الكتاب ليبقى كتاباً حقيقياً، لا يكذب. أما الوحدة، فلا أعرف ماذا تمسي بعدئذ. ما أعتقد هو أن الوحدة تصبح بدهية، وعلى المدى البعيد تنقلب مبتذلة، وهذا جيد.
تتحدث أيضًا عن الجنون في الكتابة، فتقول:
ثمة جنون للكتابة في أنفسنا، جنون أحمق للكتابة، ولكن ليس من أجل هذا نكون في الجنون. على العكس.
الكتابة هي المجهول، فقبل أن نكتب لا نعرف شيئا عن ما نكتب. وهذا بيقظة تامة.
وهو مجهول ذاتنا، رأسنا وجسدنا. ليس ولا تفكيراً، فأن تكتب هو نوع من المقدرة لدينا إلى جانب شخصنا، ومواز له، لشخص آخر، يظهر ويتقدم, غير منفصم, موهوب الأفكار، بالغضب، وأحياناً معرض من تلقائه هو للهلاك.
لو كنا نعلم شيئا عن ما سنكتب، قبل الشروع، قبل الكتابة، فلن نكتب أبداً، فلا فائدة.
وختامًا، تقول (مارغريت):
أن تكتب، هو أن تحاول معرفة ما سنكتب لو كتبنا. لا نعرف ذلك إلا في ما بعد. قبل، هو السؤال الأكثر خطورة الذي يمكن طرحه، لكنه الأكثر جرياناً، أيضاً.
الكتابة تحصل كالهواء، هي عارية، هي الحبر، وتمر مثل أي شيء لا يمر في الحياة، لا أكثر، الحياة.