آليات الكتابة، ونصائح في التعبير

حمزاتوف يتساءل؛ أيهما يلد الآخر، الكاتب أم الموضوع ؟

رسول حمزاتوف (1923-2003)، شاعر داغستاني ولد في قرية تسادا في مقاطعة خونزاخ في داغستان شرق جمهورية جورجيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي قبل انفراط عقده، وقد تأثر رسول كثيرا بوالده الشاعر حمزة تساداسا. من أشهر كتبه المترجمة و التي كتبنا منها هذه التدوينة كتاب بلدي

لا تقل: أعطني موضوعاً

بل قل: أعطني عينين

***

كتب إلى كاتب شاب قال يومًا:

  أيّها الرفاق الأعزاء، عندي رغبة كبيرة في الكتابة، لكني لا أعرف عن أيّ شيء أكتب أعطوني موضوعاً ضروريًا و ملحّاً، أكتب لكم كتابًا رائعاً .

فيعلق رسول حمزاتوف على المقولة السابقة فيقول:

كثيراً ما يتوجّه بعض الشباب بمثل هذا الطلب إلى اتحاد الكتّاب، إلى هيئات تحرير المجلات أو إلى الصّحف أو إلى الكتّاب شخصياً. يُدهشني دائمًا أولئك الذين يُحاصرون الكاتب بالطلب إليه أن يُحدثهم عن مشاريع الإبداع لديه للسنوات القادمة، الكاتب يعرف بالطبع الاتجاه العام لعمله. وربما كان بالإمكان التخطيط لكتابة رواية أو ثلاثية، أما الشّعر فلا …

الشعر يأتي على غير توقّع، كهديّة! ملكوت الشاعر لا يخضع للمشاريع المحكمة

لا يُمكن الإنسان أن يُخطط لنفسه فيقول: في الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم سأحب الفتاة التي سألقاها في الطريق. أو غداً في حوالي الساعة الخامسة مساءً سأُبغض سافلاً مّا. وأبيات الشعر لا تُشبه أزهاراً في منبت ورد أو في حوض زهر – فهي هناك كلها أمامك، و لا حاجة بك إلى البحث – بل تشبه زهوراً في حقل، في مرج في جبال الألب، حيث كل خطوة تعدك بزهرة جديدة، أكثر روعة. إنَّ المشاعر تولد الموسيقى، و الموسيقى تولد المشاعر.

 فأيهما نضعه في المقام الأول؟

حتى الآن لم يُحسم هذا السؤال: هل ظهرت الدجاجة أولاً أم البيضة؟

والسؤال نفسه يتردّد هنا: هل الكاتب هو الذي يلد الموضوع أم الموضوع هو الذي يلد الكاتب؟

الموضوع هو كل عالم الكاتب، هو الكاتب كله، لا وجود له بدونه. ولكل كاتب موضوعه المتميّز والخاص.

الأفكار و المشاعر طيور؛ أما الموضوع فهو الغابة، الأفكار و المشاعر غزلان، أما الموضوع فهو الجبال؛ الأفكار و المشاعر طرق، أما الموضوع فهو المدينة التي تُؤدي إليها هذه الطرق و تلتقي بها. الموضوع صندوق بما فيه من متاع، و الكلمات مفتاح هذا الصندوق، لكن المتاع في الصندوق يجب أن يكون متاعك و ليس متاع غيرك!

أما عن القفز من موضوع لآخر فيقول فيه:

بعض الأدباء يقفزون من موضوع إلى آخر دون أن يُتمّوا أي موضوع، إنهم يرفعون غطاء الصندوق قليلاً، و ينفضون الخرق العليا ثم يمضون بسرعة، أما صاحب الصندوق فيعرف أنك لو رفعت الأشياء واحداً بعد آخر، بحذر، فسيظهر في القاع السّفط الذي يحوي الكنوز الثمينة.

و يضرب مثلاً آخر:

الذين يقفزون من موضوع إلى آخر يُشبهون مزواجاً معروفاً في الجبال اسمه دالاغولوف. فقد تمكّن صاحبنا هذا من أن يتزوج ثماني مرّات، لكنه بقيَ في النهاية بدون زوجة!

 وينصح رسول حمزاتوف بالتمهّل والصبر بقوله:

لكل كاتب يوم يكتشف فيه نفسه، و يجد موضوعه الرئيسي.

 وفي موضعٍ آخر يقول:

على الكاتب أن يُصغي إلى نبضات قلبه قبل أن يقترن بموضوعه.

و من ثمّ يُؤكّد على ماهيّة الموضوع فيقول:

يبدو لبعضهم أنه يكفي المرء أن يُباشر موضوعاً عظيماً، حتى يُصبح هو عظيمًا.  لكن، أعظم الأشياء هو أبسطها.

وقد كان والد رسول حمزاتوف ينصحه بقوله:

اُكتب عمّا تعرف و تستطيع. أمَّا مالا تعرفه فاقرأه في كتب غيرك

هاجر العبيد

مشرفة نادي القراءة بطيبة، عضو مؤسس لنادي قبَس الثقافي بجامعة طيبة، مهتمّة بالعلوم الإنسانيّة و التَاريخ و الأديان.
زر الذهاب إلى الأعلى