كالفينو: الإنسان البسيط في المجتمع الصناعي
هذا المنشور هو نتاج للتعاون بين منصة ساقية ومنصة إكليل، ضمن مبادرة (عشر سواقي 2019)
عندما سمع الأديب الأميركي (جون أبدايك) بموت (إيتالو كالفينو) عام 1985 قال: “كان (كالفينو) كائنا رقيقا مثلما كان لامعا وقد أوصل الرواية إلى آفاق لم تكن لتصلها دون جهده الدائب الذي أطلق الرواية في عوالم السرد الرائعة و الموغلة في القدم”.
(إيتالو كالفينو) روائي إيطالي ولد في كوبا وقدم في أعماله صورة ساخرة لكن عميقة عن المجتمع الصناعي الغربي.
في عمله الروائي (ماركوفالدو) نرى شخصية العامل البسيط المنتقل حديثا من الريف وهو يحاول أن يتعايش مع حنينه للأرض، للمطر، للطبيعة وأن يتكيّف مع مجتمعه الصناعي الحديث:
تلك الليلة، أمطرت السماء فنهض (ماركوفالدو) مثل الفلاحين بعد أشهر عديدة من الجفاف تملؤه البهجة لدى سماعه أول قطرة من قطرات المطر. كان هو الشخص الوحيد في المدينة الذي جلس في فراشه ودعا عائلته: “إنها تمطر! إنها تمطر!“، واستنشق بعمق رائحة الغبار المبلل والرائحة الطينية الطازجة الآتية من الخارج.
تحت طغيان العالم الصناعي كان (ماركوفالدو) يبحث باستمرار عن أي أثر للطبيعة ولكنه يمر بسلسلة من المفارقات تثبت تدخل مجتمع الآلة في الحياة الفطرية البسيطة. عندما حاول أن يصطاد حماما بريا فوجئ بأنه للجيران! عندما حاول سرقة أرنب ليطعم عائلته كان مخصصا للتجارب محقون بالفيروسات! لم يكن يعرف حتى كيف ينزّه عائلته في هذه المدينة الخرسانية!، فقرر أخذهم للتجول في “السوبرماركت”:
ولما كانوا لا يملكون أية نقود لإنفاقها، فقد اكتفوا بممارسة تسليتهم الوحيدة، ألا وهي مراقبة الآخرين أثناء تبضعهم.
اختار (كالفينو) هذه الشخصية ليكشف من خلال وعيها البسيط حدة التناقضات في المجتمع ويرينا هشاشة العلاقات الإنسانية تحت وطأة الرأسمالية:
كل يوم يقوم ساعي البريد بوضع المغلفات البريدية في صناديق بريد الحي، إلا صندوق بريد (ماركوفالدو) الذي لا يمد يده إليه أبدا، لأنه لايوجد اي شخص يكتب له. الأشياء الوحيدة التي كانت تدخل صندوق بريده هي فواتير الكهرباء والغاز، وما عدا ذلك فلم يكن للصندوق أية قيمة أو جدوى.