عبداللطيف اللعبي، وحديث عن السجن والشعور بالذات
عبد اللطيف اللعبي ولد عام 1942، وهو كاتب وشاعر ومترجم مغربي مهتم بالآداب الفرنكفونية. و عضو اتحاد كتاب المغرب، شارك سنة 1963 في تأسيس المسرح الجامعي المغربي. أعتقل اللعبي بسبب نشاطه السياسي سنة 1972، حيث كان من مؤسسيي الحركة المتطرفة (إلى الأمام)، ولم يسترجع حريته الا سنة 1980 على إثر حملة دولية واسعة. سنة 2009 وعلى أثر سجنه الذي امتد 10 سنوات. وجد نافذة لكتابة كتابه الاكثر تأثيراً (يوميات قلعة المنفى رسائل السجن 1972- 1980)، متحدثاً عن تجربته المختلفة والعميقة خلف القضبان فقال في أحدى مقابلاته الصحفية بهذا الشأن
الجهة التي سجنتني أرادت أن تقطع صلتي بحياتي ، وبالطبيعة من حولي وبأصدقائي، كان هدفها ان تدمر احساسي وشعوري ولقد حاولت ذلك عملياً بالتأكيد أن السجن مكان معركة هدفها تدمير الانسان. ولقد دمر بعضهم فانهزموا وذهبوا، ولكن في الوقت نفسه فالسجن مكان معركة تعلم كيف تواجه الواقع الذي انت جزء منه، وتعلم كيف تفهم هذا الواقع بشكل شامل. الخطوة الاولى لتعرف الواقع؛ هي ان تحدد نفسك، من أنت؟ السجن مدرسة نفاذة وسليمة بهذا المعنى لان المرء لا يستطيع ان يهرب من نفسه، ولا يستطيع أن يكذب على نفسه نحن عادة نمثل انفسنا ولا نواجها بشكل حاسم ولذلك قد تنتهي حياتنا دون ان نعرف من نحن.
وقال أيضًا:
من الضروري ان يراقب الانسان نفسه، لكي يعرف الواقع. الضرورة هنا يشبه معناها اننا لا نستطيع ان نفهم الشجرة دون أن نتخيل جذورها. ففي السجن ادركت في داخلي برا مهجوراً من قبل جسمي وأفكاري، وبعد الوصول إلى هذا البر المجهول نجحت في الحفاظ على هذا الاحساس في داخلي، انه الشعور بالحياة الداخلية.
وفي رسالة، من داخل السجن، إلى زوجته (جوسلين ماري) عام 1973، كتب قائلًا:
من المستغرب انه في كل الظروف التي عشتها هنا إلى الان، وحتى خلال فترة العزلة لم أعرف أبدا شيئاً اسمه السأم .فقد كان رأسي دائما مملوء لحد التخمة وكذلك كان قلبي، حتى انه في بعض الاحيان أجد صعوبة كبيرة في العودة من عالم رؤاي وأحلامي ثم هناك الاشياء التي تعرفينها جيداً، تلك التي أحدثك عنها والتي تعلو على الباقي شيء اخر قد يعتقد البعض ان الوقت في السجن أطول من غيره أعتقد أني أحس بالعكس تماماً فالنهار يمر بسرعة لابأس بها، ربما لان لا شيء يحدث أو ربما لان العمل شيء مفقود. أظن ان القراءة والحلم دورا كبيرا في ذلك ثم ان الوقت غير موزع على شكل ساعات ودقائق، زمن اجتماعي، زمن اقتصادي، واخر ثقافي، انه زمن غير قابل للتوزيع ينقضي من خلال قطع من الانفعالات والاحلام والحوار الاخوي الانساني، فهو زمن يصلني بك دون انقطاع انه زمن الحب والزخم لقد جعلتك تعيشين معي بشكل مختلف هذا المساء. إن حياة السجن حياة متواضعة ولكننا استطعنا ألا نكابدها، ككابوس أو كهوان وضعف جعلنها اهلة بقيمنا الاكيدة، واحتفلنا فيها بانتصار الحب. هل أحزنتك يا حبيبتي؟ لا، لا أريد ذلك كنت أريد أن أجعلك تلمسين خفقات قلبي في تتابع المعيش العادي.
وعن مأساته الشخصية خلف القضبان قال:
لا تعتبر المأساة التي تحدث لك شيئا استثنائياً غير عادي يخصك وحدك، من الضروري ان تفكر بمأساتك في ارتباطها مع مأسي الاخرين. فاذا قمت بالمقارنة فانك ستعرف ان مأساتك ليست مطلقة ولست استثنائية، عندئذ تستطيع أن تراها في نسبيتها، وتستطيع ان تواجهها بهدوء. اذا فكرت بمأساتك ففكر مثلاً بأطفال الصومال، أعني فكر بمعاناة الاخرين بواسطة معاناتك.