سوزان غرينفيلد، عن شبكات التواصل الاجتماعي والهوية
سوزان غرينفيلد (مواليد 1950)، عالمة وكاتبة بريطانية متخصصة في فسيولوجيا العقل. كتبت (غرينفيلد) العديد من الكتب العلمية المبسطة عن الدماغ البشري لغير المتخصصين، وتعمل حاليًا زميلًا بحثيًا أول في كلية لينكولن بجامعة أكسفورد، وتترأس فريقًا يبحث في تأثير تكنولوجيا القرن ال21 على الدماغ، والآليات الدماغية المتعلقة بالأمراض التنكُّسِية العصبية مثل؛ الزهايمر والباركنسون. نشرت العديد من الكتب حول العقل والدماغ، منها كتاب (تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصمتها على أدمغتنا)، الذي ترجمه إلى العربية (إيهاب عبدالرحيم علي، ونشره المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت في فبراير 2017.
في الكتاب ناقشت (غرينفيلد) تأثير التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي على هوية الإنسان فتقول:
شبكة الإنترنت توفر للأفراد فرصة فريدة للتعبير عن الذات، والتي تشجع الناس على الكشف عن ذواتهم الحقيقية، بما في ذلك الجوانب التي لا يعبّر عنها بشكل مريح وجهًا لوجه. وبسبب هذا التأثير، يمكن النظر إلى التواصل عبر الانترنت على أنه أكثر حميمية وشخصية من الاتصال وجهًا لوجه … وخلافًا لما يحدث في العالم الحقيقي، تكون هوية الفيسبوك ضمنية أكثر من كونها صريحة؛ يُظهر المستخدمون مشاعرهم بدلًا من أن يقولوها، من خلال تأكيد ما يحبونه وما يكرهونه بدلًا من التوسع في سرد سيرة حياتهم، واستراتيجيتاتهم والسبل التي يستخدمونها للتعامل مع المشكلات وخيبات الأمل، وجميع الأمتعة الأخرى للحياة الطبيعية.
وتحدثت عن الفرق بين الذات الحقيقية “وراء الكواليس” والذات الشبكية في “المشهد الأمامي” فتقول:
تُظهر الأبحاث أن الهوية التي تُصوَر على الفيسبوك هي ذات مشيدة عن عمد ومرغوبة إجتماعيًا، يطمح إليها الأفراد لم يتكمنوا حتى الآن من تحقيقها. ومما يثير الدهشة أن التواصل عبر الشبكات الاجتماعية قد أدى الآن إلى ثلاث ذوات محتملة: الذات الحقيقية true self، التي يُعبّر عنها في البيئات المجهولة الهوية من دون قيود القيود التي تفرضها الضغوط الاجتماعية. والذات الفعلية real self، أي الفرد المتوافق المقيد بالأعراف الاجتماعية للتفاعلات التي تتم وجها لوجه. والذات المحتملة possible self، والتي تظهر لأول مرة، والمأمولة، التي تُعرض على مواقع الشبكات الاجتماعية … إن التفاعل من خلال ملف على الإنترنت يمثل فرصة للإعلان عن نفسك من دون تحد من قيود الواقع، بحيث تصبح نسخة مثالية منقحة من ذاتك “الفعلية“. يخشى اختصاصي علم النفس السريري (لاري روزين) أن ثمة فجوة خطيرة قد تنمو بين هذا “المشهد الأمامي” المثالي لذاتك وذاتك الفعلية “وراء الكواليس“، مما يؤدي إلى الشعور بالإنفصال والوحدة.
وتكمل حديثها عن الضغوط النفسية التي تسببها مواقع التواصل الاجتماعي فتقول:
من الممكن أن يفتح الفيسبوك عالمًا بديلًا يستطيع الفرد فيه الهروب من الواقع وأن يكون الشخص الذي يود أن يكونه. وكذلك فنحن نتعرض للحياة “المثالية” ونحن نقرأ عن الناس الذي يبدو أنهم يمتلكون كل شيئ والذين يبتسمون دائمًا. تزيد هذه الحياة، التي تبدو رائعة، من الضغط الواقع علينا لكي نصبح مثاليين، ومثيرين للإعجاب، وناجحين: وهو هدف يؤول مصيره حتمًا إلى الفشل … من خلال الاعتماد على الفيسبوك لتلبية هذه الحاجة إلى الاستحسان، فإن نظرة المستخدمين إلى أنفسهم لا تتضاءل بصورة مطردة فقط، لكنهم يتوقون أيضًا باستماتة إلى أن يلاحظ الآخرون وجودهم ويتفاعلوا معهم. وهذا بدوره يساعد على اكتساب هوية مبالغ فيها أو مختلفة تمامًا: أي الذات المأمولة والمحتملة.
وناقشت كيف أن ثقافة التواصل الاجتماعي قد تؤهل المستخدمين لإمتلاك عقلية نرجسية فتقول:
يبدو الفيسبوك أداة تحويل كل من المعارف والمقربين والآخرين غير المعروفين إلى جمهور للعروض الذاتية التي تتسم بالفردانية… قد يمثل العرض الذاتي الجماهيري على مواقع الشبكات الاجتماعية واحدة من الطرق التي يقوم بها الشبان اليوم بتفعيل القيم المتزايدة للحصول على على الشهرة والاهتمام.