د.نجلاء نصير وأدب الأطفال
د. نجلاء نصير بشور، هي أستاذة محاضرة في الجامعة الأمريكية ببيروت، حائزة على الدكتوراه في العلوم التربوية، وهي أيضًا كاتبة في مجال أدب الأطفال، ولها عدد من الأدبيات الموجهة للأطفال أيضًا. في كتيّب نشرته بعنوان (أدب الأطفال العرب)، تحدثت في البداية عن مفهوم أدب الأطفال، فقالت:
أدب الأطفال هو أدب يتوجه إلى فئة محددة من الناس، وهي الأطفال من عمر أشهر وحتى مرحلة المراهقة […] وهذا الأدب يتكون من أعمال شفهية ومكتوبة ومرئية ورقمية لديها القدرة على تنمية النواحي الذهنية والعاطفية لدى الأطفال.
ثم تقول عن بدايات هذا الفرع من الأدب:
بدأ الأدب الموجّه إلى الأطفال شفهيًا منذ كانت الأم تحكي لأطفالها الحكايات، ومعظمها يكون على شكل أغنية تغنيها لهم وهم بعد أطفال رُضّع، وذلك في المجتمعات الإنسانية كافة. ورغم أن هناك الكثير من الخصائص المشتركة بين الأطفال في العالم، إلا أن هذه الحكايات والأغنيات كانت دومًا تعبّر عن ثقافة المجتمع الذي نشأت فيه، لا سيما أنها تعتمد اللغة الأم التي تحمل خصائص الهوية الثقافية للمجتمع الذي تنتمي إليه. وما تطوره إلا تماشيًا مع التغييرات التي تطرأ على المجتمعات التي تؤدي إلى تغيير اهتمامات الأطفال فيها.
أهمية هذا الأدب للأطفال تكمن في تلبيته للعديد من الاحتياجات النفسية للطفل:
يلبي الأدب بشكل عام، والقصة بشكل خاص، حاجات نفسية متعددة للأطفال، ومنها: حاجتهم إلى الأمان، وإلى إثبات قدراتهم على الإنجاز من خلال تماثلهم مع أبطالها. كما توفر لهم دوافع داخلية لمواجهة الصعاب والفشل والمآسي والمخيبات. وفي نفس الوقت تلبي حاجاتهم إلى التغيير أو التحرر من الواقع بالخروج مع القصة إلى عالم من الخيال، ثم العودة إلى الواقع.
وعن أهمية أدب الأطفال بالقدرات العقلية والتعليمية، تقول:
وتتماشى القصة مع كيفية تعلم الأطفال، حيث توفر لهم عنصرين يحفزانهم على التعلم والمعرفة، وهما التحدي والإثارة. كما توفر لهم خبرة غنية لبناء المعنى: فالقصة تمكنهم أولًا، من رؤية أبطال القصص مهما كانوا أشخاصًا أو حيوانات واقعية أو خيالية والأحداث المختلفة التي يتعرضون لها، ضمن سياق وبيئة محددة مترابطة. وتمنكهم ثانيًا، من الربط بين خبراتهم وظروفهم الشخصية وما تحمله من قيم ومعلومات وتلك التي يعيشها ويخوضها أبطال القصة. كما تثير فيهم ثالثًا، عواطف مختلفة […] وهذه العناصر الثلاثة: الرؤية ضمن سياق واستشعار الصلة الشخصية وإثارة العواطف، تشكل مكونات المعنى في الذهن التي تجعل الخبرة التي تشملها جزءًا حيويًا من الذاكرة الشخصية.
ثم تتحدث تاريخيًا عن أدب الأطفال، فتقول:
جاءت الكتابة الموجهة خصيصًا إلى الأطفال في العالم متأخرة عن أنواع الأدب الموجه إلى الكبار. حيث بدأت الكتابات الأولى للأطفال في نهاية القرن السابع عشر، على شكل ومضات هنا وهناك، واعتمدت بالدرجة الأولى على الحكايات الشعبية والخرافات التي تروى للأطفال شفهيًا، ولكنها انطلقت في منتصف القرن العشرين لتشكل مدىً واسعًا في بلدان العالم، تنوّع في أشكاله ونصوصه ورسومه، كما توجه إلى كافة الأعمار، وذلك مع تغيّر المجتمعات وتغير النظرة إلى الطفل والتربية معًا.
لم نرَ كتبًا موجهة إلى الأطفال خارج الإطار المدرسي، إلا مع النصف الثاني من القرن السابع عشر. ،كان ذلك في فرنسا مع الشاعر (جان لافونتين) وصدور كتابه (حكايات خرافية) عام 1668، وكانت معظمها تتداول بين الناس شفهيًا وتدور على ألسنة الحيوانات، ومن أشهرها حكاية “الثعلب والغراب”.
ثم تقول في موضع آخر:
إلا أن الكتّاب الأولون، ومنهم (لافونتين) و(بيرو)، اعتمدوا في قصصهم على تراث غزير من القصص الخرافية والخيالية التي امتدت جذورها إلى الشرق، لا سيما الهند. وكانت تحمل حكمًا وعبرًا أخلاقية، كما جاءت في غالبيتها على لسان الحيوانات.
تنتقل بعد ذلك إلى أدب الأطفال العربي، فتقول:
أما في بلادنا العربية، فرغم أن هناك من يعتبر بأن أولى القصص المكتوبة التي عرفتها البشرية هي القصص المكتوبة على ورق بردى، فقد خلا الأدب العربي من أدب الأطفال، باستثناء الأغاني التي عرفت بأغاني ترقيص الأطفال، وقد نقل أغلبها بالعامية. وكان أطفالنا يقبلون على الأساطير القديمة والقصص التي لم تكتب خصيصًا لهم، ولكنهم استساغوها وقرؤوها، كقصص (كليلة ودمنة)، و(ألف ليلة وليلة)، ثم الأساطير العربية كـ(عنترة بن شداد)، و(أبو زيد الهلالي)، و(سيف بن ذي يزن) و(حي بن يقظان)، التي كان يرويها الحكواتية في الحارات والمقاهي الشعبية في عدد من المدن العربية، بيروت وطرابلس ودمشق وبغداد والقاهرة. وقد ظهرت مع مجيء الإسلام، القصص الدينية المتمثلة بأخبار الرسول وأعماله وأخبار الصحابة، ومن أتى بعدهم، وجهاد المسلمين لنشر الدعوة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وأخبار العلماء والصالحين والرحّالة وكذلك أخبار الأمم الأخرى التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، إضافة إلى قصص الحيوانات التي وردت فيه وفي الأحاديث النبوية الشريفة.
ثم تذكر عدة ملاحظات حول نمو أدب الأطفال عند العرب:
الملاحظة الأولى: أن أدب الأطفال العرب لم ينمُ بنفس الزخم والطريقة في جميع البلدان العربية، بل تركزت بداياته، في المرحلتين الأولى والثانية في مصر ولبنان وفلسطين وسوريا والعراق، أما البلدان الأخرى فجاء الإنتاج الأدبي للأطفال متأخرًا عنها كتونس والمغرب العربي والسودان والبحرين، ومن ثم باقي دول الجزيرة العربية.
الملاحظة الثانية: إن ترجمة الكتب الأجنبية من قِبل كتاب عرب ترافق، منذ البدايات وحتى الآن، مع الإنتاج الأصيل. وقد تركزت الترجمة على مصادر فرنسية في لبنان وبلدان المغرب العربي، وإنجليزية في باقي البلدان العربية، وحديثًا السويدية.
الملاحظة الثالثة: تتعلق بالكتّاب، فهناك عدد من مؤلفي كتب الأطفال قضوا معظم حياتهم في الكتابة للأطفال، ولذلك نراهم يبدعون وينتجون في المراحل الثلاثة، وقد تنوعت مواضيع كتاباتهم، كما تنوعت الفئات العمرية التي توجهوا إليها. كما أن الاهتمام بالأطفال وأدبهم استحوذ على أدباء ومثقفين كبار منذ نشأته وفي المراحل الثلاث، أمثال (أحمد شوقي) و(نجيب محفوظ) و(عبدالوهاب المسيري) في مصر، و(علال الفاسي) و(العربي بنجلون) في المغرب، و(سليمان العيسى) و(زكريا تامر) في سوريا، و(ميخائيل نعيمة) و(إميلي نصر الله) و(إدفيك شيبوب) في لبنان، و(الطيب صالح) في السودان، و(معروف الرصافي) في العراق.
أما المراحل الثلاث المذكورة فهي باختصار: الإرهاصات ما قبل 1979، التي ظهرت بتوجيهات (رفاعة الطهطاوي) كأساس. ومن ثم مرحلة التحول والنمو 1979-1990، وهي السنوات التي ازدادت فيها الكتابة في هذا المجال من الأدب. وأخيرًا مرحلة الانطلاق الممتدة حتى الآن، وهي التي بدأ الاهتمام فيها بشكل كبير بالطفل العربي، وتأسست بذلك دور نشر متخصصة بمجالات الأطفال وأدبياتهم، كما رصدت العديد من الجوائز في هذه المجالات.