التنشئة الاجتماعية ليست برمجة كما يرى أنتوني غيدنز
يقول أنتوني غيدنز -عالم الاجتماع البريطاني المعاصر- عن التنشئة الاجتماعية:
إن الحيوانات التي تقع في أدنى درجات سلم التطور الطبيعي تكون فور ولادتها قادرة على حماية نفسها من دون مساعدة تذكر من جانب الحيوانات الأخرى البالغة. غير أن على الحيوانات الأخرى المتقدمة في سلم التطور أن “تتعلم” طرائق السلوك المناسبة، وتكون في المراحل المبكرة من عمرها بعد الولادة عاجزة كل العجز، مما يفرض على الجيل المتقدم في السن على جيل البالغين رعايتها والعناية بها. والأطفال حديثوا الولادة هم الفئة الأكثر عجزاً بين هؤلاء جميعاً، إذا ليس بمقدور المولود البشري أن يظل على قيد الحياة من دون مساعدة خلال السنوات الأربع أو الخمس الأولى على الأقل من عمره. من هنا، فإن التنشئة الاجتماعية هي التي تجعل من هذا الكائن الوليد، بصورة تدريجية، إنساناَ واعياً لذاته وشخصاً ملماً ببعض المعارف والمهارات المتعلقة بمسالك الثقافية التي ولد فيها. وبهذا المعنى، فإن التنشئة الاجتماعية ليست نوعاً من “البرمجة الثقافية” التي يتشرب فيها الوليد أو الوليدة ما يقع عليه من مؤثرات بصورة سلبية. فالطفل كائن نشط منذ ولادته: إذ أن له / لها احتياجات ومتطلبات في سلوك من يتولون رعايته والعناية به.
والتنشئة الاجتماعية هي التي تصل الأجيال بعضها ببعض. ومولد طفل ما يدخل تعديلاً على حياة الأشخاص المسؤولين عن تربيته، وهم بدورهم يدخلون تجربة تعلمهم أشياء جديدة أيضاً. إن علاقة الأبوّة والأمومة تربط أنشطة البالغين بالأطفال طيلة عمرهم. وفي الوقت نفسه فإن الآباء والأمهات البالغين يتحولون إلى أجداد ويمثلون بالتالي حلقة وصل جديدة تربط ثلاثة أجيال، وهكذا دواليك. من هنا ينبغي اعتبار التنشئة الاجتماعية عملية تستمر طول العمر تتمخض في بعض نتائجها عن تشكيل وإعادة تشكيل التفاعلات الاجتماعية. ذلك أنها تتيح المجال للأفراد بأن ينمّوا أنفسهم، ويطوروا طاقاتهم، ويتعلموا، ويتكيفوا مع ظروف الحياة المستجدة حولهم.