ألبرتو مانغويل يشرح فعل القراءة
ولد ألبرتو مانغويل عام 1948، وهو أرجنتيني المولد، كندي الجنسية. يعمل كجامع للأعمال الأدبية الهامة، مترجم، محرر، روائي، وكاتب مقالات. يقول مانغويل عن القراءة بالعينين، من أشهر كتبه المترجمة للعربية كتاب ذاكرة القراءة، والمكتبة في الليل، وتاريخ القراءة والذي ذُكر فيه:
تبدأ القراءة أولاً بالعينين. “أكثر حواسنا حدّة هو نور العين“، كتب شيشرون، الذي كان يظنّ أنّ رؤية النصّ تجعلنا نحفظه بصورة أفضل مما لو سمعناه فقط. كان القديس أغسطينوس يمتدح العينين كثيراً (لعنهما في وقت لاحق) ويصفهما بأنهما بوّابة الدخول إلى العالم. وكان القديس توما الأكويني يقول عن البصر: “إنه أهم الحواس التي نستطيع الحصول عبرها على المعرفة“. هناك ناحية بديهية جداً للقارئ: نرى الأحرف بواسطة حاسة البصر. لكن عبر أي عملية كيميائية تتحوّل فيها هذه الأحرف إلى كلمات ذات معانٍ؟ ماذا يحدث في داخلنا عندما نُواجّه بنصّ؟ وكيف تصبح الأشياء المرئية “الجوهر” الذي يصل عبر أعيننا إلى مختبرنا الداخلي، إلى جانب ألوان و أشكال و مرئيات أخرى و الأحرف قابلة للقراءة؟ من أي شيء يتكون إذن ما نطلق عليه فعل القراءة؟
القراءة ليست عملية أوتوماتيكية، يكمل قائلًا:
إذن، فالقراءة ليست عملية أوتوماتيكية لحصر النص، مقارنة بانتقال الصورة إلى الفيلم عند إجراء عملية التحميض الضوئي، بل إنها عملية استنساخ معقدة و محيّرة ومذهلة تحدث بصورة متشابهة عند جميع الناس، والتي تحتفظ، مع ذلك، بميزة خصوصية عالية تختلف من إنسان إلى آخر، أما إذا كانت القراءة تحدث بعيداً عن السمع، أو أنها تحدث داخل مجموعة واحدة من العمليات السيكولوجية، أو من العديد من مثل هذه العمليات، فناحية لا يعرفها العلماء بعد. بيد أنّ العديد منهم يظنون بأنّ عملية القراءة معقدة مثل التفكير. وحسب نظرية وتروك، فإن القراءة ليست “ظاهرة خصوصية في البنية أو المزاج وهي ليست فوضوية أبداً. إلاّ أنها أيضاً عملية غير متناغمة و متراصة يكون فيها معنى واحد هو الصحيح. كلا، إنّ القراءة عملية خلاّقة إبداعية تعّبر عن محاولة القارئ المنتظمة لإنشاء وتكوين معنى واحد أو أكثر ضمن أحكام اللغة و قواعدها“.
ثم ينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن القراءة بصمت، فيقول:
لقد مكنت القراءة بصمت القارئ في نهاية المطاف من إقامة علاقة غير مضطربة مع الكتاب و الكلمة، مما جعله يدخر المجهود و الوقت اللذين كان يحتاج إليهما في النطق. إنها تنتشر في مكان داخلي، تسبح داخل القارئ، أو أنها تجثم في موقع ما. و ما إن تراها العين أو يبدأ اللسان بنطقها، حتى تطلق العنان لتصورات القارئ، أو أنه يتعمق في قراءة كتاب آخر موضوع أمامه. هكذا أخذ القارئ الصامت يكسب وقتاً للتمعن بالكلمات و التلذذ بها، و الإنصات إلى إيقاعاتها في داخله. إن النص المحروس من أعين الدخلاء المتطفلين بالغلافين أصبح ملك يد القارئ، كنز معلوماته السري، بغض النظر إن كان يجلس في غرفة النسّاخين المملوءة بالأصوات، أو في ساحة السوق، أو في مخدعه المنزوي.