ميلان كونديرا وعوالم الروائيين
ميلان كونديرا (مواليد 1929)، روائي فرنسي من أصول تشيكية و هو من أشهر الروائيين اليساريين، حصل على جائزة الإندبندنت لأدب الخيال الأجنبي في العام 1991، نشر أثناء فترة دراسته شعرا ومقالاتٍ ومسرحيات، والتحق بقسم التحرير في عدد من المجلات الأدبية، نشر في العام 1953 أول دواوينه الشعرية لكنه لم يحظ بالاهتمام الكافى، ولم يُعرف كونديرا ككاتب هام إلا عام 1963 بعد نشر مجموعته القصصية الأولى غراميات مضحكة، فقد كونديرا وظيفته عام 1968 بعد الغزو السوفييتى لتشيكوسلوفاكيا، بعد انخراطه فيما سُمى ربيع براغ، اضطر للهجرة إلى فرنسا عام 1975 بعد منع كتبه من التداول لمدة خمس سنوات.
من كتبه: ( كائن لاتحتمل خفته، فالس الوداع)، مقالات سابقة في ساقية: (ما أهمية كونديرا اليوم؟ ، ميلان كونديرا في حديثه عن الذاكرة والنسيان).
يقول ميلان كونديرا:
عندما يكتب الإنسان الرواية يتحول إلى عالَم (ألا نتحدث عن عالَم بلزاك وعالم تشيكوف وعالم كافكا؟)، وما يميّز العالم هو فرادته. لذلك فإن وجود عالم آخر يهدد وجوده ذاته.
فقد يعيش إسكافيان بانسجام تام طالما أن دكاناهما لا يوجدان في الشارع نفسه. لكنهما ما إن يشرعا في تأليف كتاب عن الإسكافيين حتى يشعر كل منهما بالانزعاج من وجود الآخر، وبذلك سيتساءلان: هل يمكن أن يحيى الإسكافي إذا كان يحيى إسكافيون آخرون؟
تشعر فتاة ما بأن نظرة واحدة من غريب تستطيع أن تدمر قيمة كراساتها الحميمة، في حين يعتقد (غوته) أن نظرة واحدة من بشري لا تسلط على أسطر نتاجه تضع وجود (غوته) ذاته موضع تساؤل. فالفرق بين الفتاة والكاتب هو نفسه الفرق بين الإنسان والكاتب.
فمن يؤلف الكتب يكون هو كل شيء (عالم فريد لنفسه وللآخرين جميعًا) أو لا شيء. وبما أن لا أحد بمقدوره أن يكون كل شيء، فإننا -نحن من نؤلف الكتب- لسنا لا شيء. نحن مهملون وحُسّاد وساخطون ونتمنى الموت للآخرين. وهذا أمر نتساوى فيه : بانكا وبيبي وأنا وغوته.
إن تنامي هوس الكتابة بين الساسة وسائقي سيارات الأجرة والنادلات والعاشقات والقتلة والسارقين والعاهرات والحكام والأطباء والمرضى يثبت لي أن كل إنسان، وبدون استثناء، يحمل في قرارة نفسه قدرة كامنة على الكتابة، بحيث يمكن أن ينزل كل إنسان إلى الشارع ويهتف: كلنا كُتاب.
فكل من يخشى فكرة الزوال من عالم لا يبالي بوجوده، الزوال دون أن يراه أو يسمعه أحد. ولهذا يسعى كل واحد إلى أن يتحول إلى عالم من الكلمات خاص به قبل فوات الآوان. وعندما يأتي يوم (وهو غير بعيد) يلفى فيه كل الناس أنفسهم كتّابًا، سنكون قد بلغنا زمن الصمم وانتفاء التفاهم الشاملين.