آليات الكتابة، ونصائح في التعبير

ماريو فاراغاس يوسا يوجه 12 نصيحة ثمينة إلى الروائيين الشباب

MarioVargosLlosa2_20101007

ماريو فارغاس يوسا هو كاتب وسياسي وصحفي وبروفيسور جامعي من البيرو. يُعد بارغاس يوسا واحدًا من أهم روائيي أمريكا اللاتينية وصحفييها، وأحد رواد كتّاب جيله. يرى بعض النقاد أنه يتمتع بتأثير عالمي وجمهور دولي أعرض مما لدى أي كاتب آخر ينتمي إلى حركة الازدهار الأدبية الأمريكية اللاتينية، فاز عام 2010 بجائزة نوبل في الأدب عن خرائط هياكل القوة التي رسمتها أعماله وتصويره النيّر لمقاومة الفرد وثورته وهزيمته.

من أشهر كُتبِه: (رسائل الى روائي شاب)، ورواية (حفلة التيس)، ورواية (شيطانات الطفلة الخبيثة)

على غرار (ريلكه) (في كتابه رسائل إلى شاعر شاب) يضع (ماريو فارغاس يوسا) نصائحه للروائيين الشباب في 12 رسالة ممتعة (رسائل إلى روائي شاب) ترجمها القدير (صالح العلماني).

الرسالة الأولى: قطع مكافئ للدودة الوحيدة

في هذه الرسالة يحدد (يوسا) نقطة الانطلاق لأي روائي بأنها الميل إلى الأدب، حيث أن

الكاتب يشعر في أعماقه بأن الكتابة هي أفضل ما حدث، وما يمكن أن يحدث له، لأن الكتابة في نظره هي أفضل طريقة ممكنة للعيش، بصرف النظر عن النتائج الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية التي يمكن له أن يحققها من خلال ما يكتبه.

وهذا الميل نشأ حسب (يوسا) من التمرد على الواقع، ورفض وانتقاد الحياة كما هي، والرغبة في استبدالها بتلك الحياة التي يصطنعها الروائي بمخيلته، وهذا الميل إلى الأدب يجب أن يتحول إلى عبودية تشبه ما كانت تفعله السيدات البدينات في القرن التاسع عشر من ابتلاع دودة، تتغذى على أجسادهن، فالأدب يتغذى على حياة الكاتب، ويشغله لساعات متطاولة من الكتابة.

الرسالة الثانية: الكاتوبليباس

يفتتح (يوسا) هذه الرسالة بعبارة جميلة “الأدب هو أفضل ما تم اختراعه من أجل الوقاية من التعاسة”، ومن ثم يحدد هدف الرسالة بأنها للإجابة على سؤال: كيف تخطر الموضوعات للروائيين؟ ثم يجيب بأن

أصل كل القصص ينبع من تجربة من يبتكرها، والحياة المعيشة هي الينبوع الذي يسقي القصص المتخيلة، وهذا لا يعني بكل تأكيد أن تكون الرواية على الدوام، سيرة حياتية مستترة لمؤلفها، بل يعني بصورة أدق أنه يمكن العثور في كل قصة حتى في أكثر قصص التخيل تحررا ً وانطلاقا ً، على نقطة انطلاق، على بذرة حميمة، مرتبطة أحشائيا ً بجملة من التجارب الحياتية لمن صاغها.

هذا الأصل أو هذه البذرة تمر بعملية تعري معكوسة، فالروائي يقوم بستر وإسدال ملابس كثيفة على تلك الفكرة الأصلية. كما يشبه يوسا الروائيين بالكاتوبليباس الحيوان الخرافي الذي يظهر للقديس أنطوان في رواية فلوبير (إغواء القديس إنطوان)، وأعاد إبداعه (بورخيس) في (المرجع في مملكة الحيوان المتخيلة)، حيث يلتهم هذا الحيوان نفسه، بادئا ً بقدميه، والروائي يفعل ما يشبه ذلك في بحثه عن مرتكزات لروايته.

الرسالة الثالثة: القدرة على الإقناع

عن شكل الرواية، ويؤكد (يوسا) قبل أن يسترسل على أن الفصل ما بين محتوى الرواية وشكلها هو أمر مصطنع ولا يقبل به إلا لأسباب توضيحية وتحليلية، وأن ما ترويه الرواية لا يمكن فصله عن الطريقة التي روي بها، وأن هذه الطريقة هي ما يحدد كون الرواية قابلة للتصديق أم لا. حيث ترتكز قوة الإقناع فيها على أساس تضييق المسافة ما بين الوهم والواقع، وجعل القارئ يعيش الكذبة كما لو أنها حقيقة واقعة.

الرسالة الرابعة: الأسلوب

عن طريقة الروائي في اختيار مفردات اللغة وصياغتها وترتيبها، بحيث يكون الأسلوب فعال أو غير فعال، أي تصبح الرواية قادرة على الإقناع أو غير قادرة على ذلك. حيث يعتبر (يوسا) الكتابة الروائية فعالة إذا كانت متماسكة داخليا ً – أي لها منطق معين تسير عليه، حتى ولو كانت تعبر عن قصة مشتتة ظاهريا ً، بحيث يشعر القارئ بأن هذه القصة لا يمكن أن تروى إلا بهذا الأسلوب، ويضرب مثالا ً رواية (جويس) (عوليس)، فهي تبدو كفيض مضطرب من الانفعالات والذكريات، ولكنها في الحقيقة أسلوب أدبي مبني بهذا الشكل ليبدو كوعي بلوم في حالة شرود -. وتكون فعالة أيضا ً إذا كانت تتصف بطابع الضرورة اللازمة ويعني أن لا يشعر القارئ بوجود فجوة بين ما يروى والكلمات التي يروى بها، بحيث لا يصدق القارئ أو لا يتفاعل مع ما يروى بسبب خراقة الأسلوب، ويبين فكرته باستدعاء أسلوب الكاتبين الكبيرين (بورخيس) و(ماركيز)، وينبه إلى تقليد عدد كبير من الكتاب لهما في أسلوبهما، ولكن الكثير من هؤلاء لم يصلوا إلى ما وصل إليه الاثنان من طبع أسلوبهما بطابع الضرورة.

من ثم ينصح (يوسا) الروائي الشاب بأن يكثر من القراءة للأدباء الجيدين، في طريقه للبحث عن أسلوبه الذي يخصه، والذي يجب أن يكون متماسكا ً وضروريا ً، وينبهه إلى أن هذا يتم بشكل متدرج، وأن (فوكنر) ذاته، كانت رواياته الأولى بحثا ً عن أسلوب خاص، و(فلوبير) أيضا ً بحث عن أسلوبه، واحتاج لخمس سنوات من العمل الجبار على روايته الأولى ليصل إليه، ولـ(فلوبير) نظرية حول الأسلوب هي نظرية “الكلمة الدقيقة” أي أن هناك كلمة وحيدة تعبر عن الفكرة بالضبط، كيف يعرف الروائي أنه وصل إليها؟ بالسماع، أي عندما يكون وقعها جيدا ً، فلذا كان (فلوبير) يختبر كل جملة بطريقة الصراخ أو الصوت العالي، فكان يخرج إلى درب محفوف بالزيزفون ليقرأ بصوت عالٍ ما كتبه، وهو درب صار يعرف فيما بعد بدرب الصراخ.

الرسالة الخامسة: الراوي – المكان

وفيها يحدد (يوسا) التحديات التي يواجهها أي روائي في أربع مجموعات كبيرة: الراوي، المكان، الزمن، مستوى الواقع.

يبدأ (يوسا) بتصحيح خطأ شائع، وهو تطابق الراوي مع المؤلف، وهو خطأ لا يقع فيه القارئ فقط، وإنما بعض الروائيين وخاصة عندما يكتبون باستخدام ضمير المتكلم ويعتمدون على شيء من سيرتهم الذاتية، الراوي حسب (يوسا) كائن مصنوع من الكلمات، كائن مختلق على الدوام، يعيش في الرواية التي يرويها، وطالما هو يرويها، وهو مثله مثل بقية شخوص الرواية، إلا أنه أكثر أهمية، لأن الرواية تروى من زاويته هو، بعد هذا علينا أن نعرف أن هناك ثلاثة خيارات فيما يتعلق بسؤال “من الذي سيروي القصة؟”، الخيار الأول: راو ٍ – شخصية في القصة، الثاني: راو ٍ – عليم، خارجي غير منتم للقصة التي يرويها – ولكن لا ننسى أنه كائن مصنوع هو بدوره -، الخيار الأخير: راو ٍ – ملتبس لا يعرف هل هو يروي من داخل العالم المروي أم من خارجه، وهو أحدثها ونتاج للرواية الحديثة.

الرسالة السادسة: الزمن

يقسم (يوسا) الزمن إلى زمنين: زمن تسلسلي (كرونولوجي) – وهو الزمن الذي نعيش فيه نحن البشر الحقيقيين -، وزمن نفسي (سيكولوجي) – وهو مدى وعينا بالزمن ومروره -، وزمن الرواية هو زمن مشيد انطلاقا ً من الزمن النفسي، ويضرب مثالا ً على ذلك رواية (حادث على جسر نهر البومة)، وقصة (بورخيس) (المعجزة السرية).

يعرف (يوسا) بعد هذا الرؤية الزمنية في الرواية على أنها العلاقة القائمة بين زمن الراوي وزمن ما يروى، ولها ثلاثة احتمالات: الأول، تطابق زمن الراوي وزمن ما يروى، بحيث تروى الأحداث بصيغة المضارع، الاحتمال الثاني، الراوي يروي انطلاقا ً من الماضي أحداثا ً تجري في الحاضر أو المستقبل، الثالث، الراوي يتموضع في الحاضر أو المستقبل ويروي أحداثا ً وقعت في الماضي البعيد أو القريب

الرسالة السابعة: مستوى الواقع

ويعرفه على أنه العلاقة القائمة بين طبقة الواقع التي يقف فيها الراوي لكي يروي الرواية، وطبقة الواقع التي تدور فيها أحداث ما يروى.

الرسالة الثامنة: النقلات والقفزات النوعية

يعرف (يوسا) النقلة على أنها أي تبدل يطرأ على وجهات النظر أو الرؤى المكانية أو الزمانية أو مستوى الواقع، وتكون هذه النقلة نوعية عندما تحول مستوى الواقع في القصة من عالم واقعي إلى عالم خيالي.

الرسالة التاسعة: العلبة الصينية

وهي التي تتكون من علبة بداخلها علبة أصغر بداخلها علب أصغر وهكذا، ولكنها في الفن الروائي عبارة عن تولد قصص فرعية عن القصة الرئيسية، وأبرز الأمثلة على ذلك (ألف ليلة وليلة).

الرسالة العاشرة: المعلومة المخبأة

ويقصد بها عدم كشف معلومة معينة في الرواية وتركها لخيالات القارئ وافتراضاته، ومثالها قصة (همينغواي) (القتلة) حيث لا نعرف سبب بحث القتلة عن السويدي أول أندرسن.

الرسالة الحادية عشرة: الأواني المستطرقة

ويعني بها وجود واقعتان أو أكثر تجريان في أزمنة أو أمكنة أو مستويات واقع مختلفة ويجمع بينها كلية سردية واحدة، بهدف أن يحدث هذا المزج تعديل متبادل أو دلالات مختلفة، ويضرب مثالا ً على ذلك مشهد المعرض الزراعي من رواية (مدام بوفاري)، حيث تجري أحداث المعرض الزراعي، وفي ذات الوقت تلتقي إيما بوفاري برودولف، وحيث يهدف المزج بين الحدثين إلى تخفيف حدة خطابيهما، خطاب المستشار لييفان بكل ما فيه من نفاق، وخطاب رودولف العاشق بكل ما فيه من كلمات حب وهيام.

الرسالة الثانية عشرة: على سبيل الوداع

يؤكد في هذه الرسالة الأخيرة على قيمة النقد، وإمكانية الاستفادة منه مع ذكر بعض الكتب النقدية المهمة، ولكنه مع هذا يشير إلى أن النقد لا يمكنه مهما كان دقيقا ً وقوياً أن يلم بكامل العملية الإبداعية، فلذا تكون نصيحته الأخيرة

صديقي العزيز: إنني أحاول أن أقول لك أن تنسى كل ما قرأته في رسائلي حول الشكل الروائي، وأن تبدأ دفعة واحدة بكتابة الروايات.

زر الذهاب إلى الأعلى