العلوم البشرية والاجتماعية

فاطمة المرنيسي: شهرزاد ليست مغربية

 

الدين الإسلامي وما به من سير الصحابيات وجميع المخطوطات المنقولة غيباً تؤكد أن للمرأة المسلمة الحق الكامل المشروع من التعليم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كانت لهُ بِنتٌ فأدَّبَها فأحسنَ تأديبَها، وعلَّمَها فأحسَنَ تعليمَها، وأسبغَ عليها من نعمِ اللَّهِ الَّتي أسبغَ عليهِ، كانت لهُ سِترًا وحجابًا مِنَ النَّارِ” [حديث مرفوع]. 

إلا أن الثقافة الذكورية كان لها دور كبير في تحطيم وتكسير سفينة تمكين المرأة من حق التعليم، وعند ذكر هذه المفاهيم يستوجب حضور اسم عالمة الاجتماع (فاطمة المرنيسي)، صاحبة الفكر النسوي، اهتمت في كتاباتها بالمرأة المسلمة وحقوقها، وأحد كتبها المشهورة (شهرزاد ليست مغربية) تحكي فيه عن أهمية التعليم للمرأة؛ تعبر فيها عن مسألة إتاحة التعليم للنساء في الأربعينات في المغرب العربي وأن هذه المسألة كانت الضربة القاضية لهذا المغرب التقليدي بثقافته النخبوية، ونقطة البداية في الوقت نفسه للمغرب الجديد الديمقراطي؛ لأن المرأة كانت، ولا تزال، رمز المنبوذ والسلبي والهامشي والدوني رمز من لا يشارك لا في المعرفة ولا في القرار، إلا أنه يستحيل نكران التقدم -وإن كان بسيط- الذي حازت عليه المرأة في الوقت الحالي عن سابقه.

تقول في كتابها:

إن الشعب القوي هو من تثقف وتدرب وفق التكنولوجيا المتطورة وليس ذلك الجالس فوق أطنان من الأسلحة واضعاً إصبعه على الزناد، أياً تكن الضحية المستهدفة سواء في الداخل أو الخارج.

ومن منا لا يعرف قصة (شهرزاد) ابنة وزير الملك (شهريار) التي استطاعت أن تحول مسار إجرام الملك من خلال سردها للقصص في كل ليلة. وبعد أن اكتشف الملك خيانة زوجته السابقة مع العبيد قرر أن يقتلها، وعاهد نفسه بأنه يتزوج المرأة تلو الأخر ويقوم بقتلهن في صباح دخلته، إلى أن التقى بها وهي التي لم تخشى الموت لكونها متسلحة بأقوى أنواع الأسلحة، فكانت تتلو عليه القصة إلى أن يظهر الفجر دون أن يمسها ولا تنهي له القصة إلا في الليلة التالية، أي إن مأثرتها ما كانت لتتم لو لم تختزن كماً هائلاً من الأخبار التي استخدمتها لتبني قصصها حيث تفاصيلها المدهشة والواقعية التي تحكي عن معرفة استثنائية وإلمام عميق بالعالم والكائنات.

قصة شهرزاد لا تزال معاصرة لأنها تطرح المسألة المعرفة كسلاح للاستمرار.

استعانة الكاتبة تحديداً بشخصية (شهرزاد) وتقديمها بكونها امرأة غير شرقية فقط من باب المجاز وليس بالحقيقة، اختارت هذه الشخصية لتبرهن على أن من أنقذها من القتل هو الثقافة والمعرفة والإطلاع على العلم.

إن الأربعينات كانت العقد الحاسم بالنسبة للمسألة التي تعنينا وهي تعليم النساء.

ومن هنا تذكر الكاتبة أن هذا العقد وهذه الحقبة هي مولد انطلاق ونهضة للمجتمع والأفراد؛ وهذا لأهمية مسألة تعليم النساء في المجتمع، أيضاً ذكرت بعض من المواقف الجلية لبعض من حكام المغرب العربي آنذاك التي كانت تدعو إلى تمكين المرأة من حق التعليم، ومنهم (الملك محمد الخامس)، فقام بانتداب ابنته الأميرة بقراءة خطاب سياسي أمام الجمهور في طنجة عام 1947م، حينها ظهر شيء ما كان غائباً على الساحة السياسية “المرأة” الرمز المنبوذ والمنقاد والصامت، ولم تظهر وهي تقرأ كلاماً دون معنى أو قيمة بل ظهرت وهي تقرأ خطاباً سياسياً.

تقوله في ذلك:

وبعد هذا الخطاب لن يعود المغرب كما كان، ارتفع صوت الفتاة الناعم والطري في سماء طنجة الصافية فانكشح مغرب الأجداد ومعه سلاسل أنسابهم الذكورية والذّريات التي لا يضعها إلا الذكور.

ولعل من أحد المواقف التي قرأتها من الكتاب والتي أكاد لا أنسى مدى تأثري بها، وهو ما قاله أحد المشايخ لأحد الحكماء عندما رأى امرأة تتعلم؛ فقال: “أفعى تسقى سماً”، فأجابه الحاكم: “البنت ليست بأفعى أولاً، ولا يمكن أن نقبل أن تكونوا أنتم وهؤلاء ونحن أبناء أفاعي! وعلى فرض أن الفتاة كذلك فإننا نعتقد أن العلم ما كان ولا يمكن أن يكون سماً، ولكنه على العكس من ذلك ترياق يحفظ من السموم”.

وهنا يظهر لنا أن مسألة تعليم المرأة كانت مدنّسة عند كثير من العلماء، لأن هذه المسألة تعتبر مدمرة للهندسة الجنسية التي تقسم أماكن النساء والرجال، وهذا يعتبر انهيار للمدينة التي هندسها الأجداد حيث النساء أفاع سامة يجب وضعها بعيداَ عن ساحة الرجال والتنافس معه.

وتضيف:

التغيير هو دائما حصيلة مبادرة يقوم بها فريق محدد، لذا فإن إغفال الدور الرائد الذي قام به فريق متيم بالأفكار الثورية ضمن النخبة الوطنية، في إطلاق مسيرة تعليم البنات في البلدان الإسلامية، وهو أشبه بوضع الستار على عامل تاريخي أساس لفهم هذه الظاهرة، ثم إنه يجب التخلي عن التحليل العنصري السخيف الذي يضع كل ما هو عصري لجهة الفرنسيين وكل ما هو رجعي حيال النساء لجهة المسلمين.

إلا أن مسألة التغيير أمر لابد منه، ولا يكفي بأن يقوم بها فريق محدد بل يجب أن تكون هناك شخصية كرزماتية قادرة على تحريك الذهنيات، أيضاً لابد من إرادة سياسية قوية من قبل النخبة الحاكمة أمثال (محمد الخامس) لكي يستطيع التأثير على معارضي تعليم المرأة، ومن أهم النقاط التي حاولت توضيحها الكاتبة هي أن تحويل وتغيير العالم من حولنا ليس حلماً مستعصياً، فلقد صنعنا هذا التحويل ونستطيع صنعه؛ يكفي فقط أن نرغب فيه.

زر الذهاب إلى الأعلى