المعرفة والفكر الفلسفي

إدوارد سعيد في حديثه عن النظام التعليمي

"أتمنى لو أستطيع القول بأن الطرق العامة الأحدث للتعليم والتطوير الثقافي تثير الحماس المرء بشكل أكبر، لكنها للأسف لا تفلح في ذلك"

إدوارد وديع سعيد (١٩٣٥ م- ٢٠٠٣م)، مُنظر ومثقف فلسطيني وحامل للجنسية الأمريكية. عمل أستاذًا جامعيًا للغة الإنكليزية والأدب المقارن في (جامعة كولومبيا) في الولايات المتحدة الأمريكية. ويعتبر (إدوارد سعيد) من الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية، كما عرف عنه دفاعه عن حقوق الإنسان وحق الشعب الفلسطيني.

في كتابة (خيانة المثقفين) والذي قدمه إلى المكتبة العربية المترجم (أسعد الحسين)، تحدث (سعيد) عن النظام التعليمي قائلاً:

لسوء الحظ أن كل أنظمة التعليم المعروفة اليوم لا تزال قومية بشكل خفي أو ضمني، هذه ضرورة للغة والسياق والحقيقة الوجودية, على سبيل المثال إن كنتَ فرنسيا مثلًا، يجب أن تتعلم اللغة القومية، وتتعلم تاريخ البلاد وتفهم مجتمعه لكي تعيش فيه، في المجتمعات الأقل ليبرالية، هناك ضرورة أكبر لتعليم الشباب بأن لغتهم وثقافتهم متفوقة وبالاستنتاج تكون الثقافات الأخرى أقل أهمية أو بطريقة ما أجنبية وغير مرغوبة وتبدو غير جذابة.

يكمل (سعيد) بعد ذلك في وصفه:

التفكير المشترك حول العولمة تغلب على الشعور لدرجة يجب أن تكون فيها وظيفة التعليم، في رأيي، تعزيز روح المقاومة بدل الامتثال، والتفويض الفردي بدلًا من الجبريّة الجمعيّة، وإلا كيف سنشجع طلابنا على التمييز بين العدل والظلم، بين الأفكار العقائدية – الأرثوذكسية–وبين الديمقراطية وبين الديمقراطية التشاركيّة الحقيقية؟ أولاً وقبل كل شيء، كيف نستطيع أن نحفز الناس من خلال التعليم ليصنعوا تاريخهم بأنفسهم، وأن يكون التاريخ نفسه تنافس حول القضايا الأخلاقية الأساسية التي تشمل السلطة والمسؤولين والشعور الأخلاقي؟ دعني الآن أقدم وجهة نظر بديلة عن النظرة التقليدية الموجودة في تقرير اللجنة العالمية.

هناك سطر لازمني منذ سنوات كثيرة في مقال عن (ليوناردو دا فينشي) لشاعر أوائل القرن العشرين وهو (بول فاليري) واصفًا عقل ليوناردو في قوته وأناقته قائلاً: “إن الفنان الإيطالي لم يستطع التفكير إلا بالجسر كلما فكر بالهاوية” كلام مجازي، الهاوية هي البديل عمّا يقدّم لنا كثابت ونهائي ومستحيل تجاوزه، بغض النظر عن مدى عمق وصعوبة المشهد الذي قدّم نفسه له، كان لدى ليوناردو hلمقدرة على التفكير في بديل ما دائمًا، طريقة ما لحل المشكلة، هبة ما لعدم القبول السلبي لما قُدّم له، كما لو أن المشهد الذي تخيله يمكن دائما تخيله بطريقة مختلفة وربما بطريقة مفعمة بأمل أكبر.

طبعا، كان (ليوناردو) عبقريا، وفي كل طريقة يمكن تخيلها لم يكن شخصًا عاديًا قليلٌ منّا من يجرؤ على مقارنة نفسه به، لكني أعتقد أن إحدى فوائد التعليم هي، عدا عن إعطائنا أساليب ومهارات للتعامل مع مجالات من الخبرة مثل الطب أو القانون أو الإنسانيات، يعطينا أيضا الفرصة لنرى الأشياء بصورة مختلفة، وأن نحاول بطريقتنا الخاصة بأن نبني جسورًا فوق الهاوية، لا يعني هذا بأن لا يفترض في التعليم أن يكون حول اكتساب المعرفة – طبعا هو كذلك – لكن المعرفة أكثر من مجرد تكديس للمعلومات.

قال (جان بول سارتر) مرةً عن صديق درس في أعظم الجامعات الفرنسيّة: “صديقي ذكي بشكل لا يُصدّق حقًّا. هو يعرف كل شيء، لكن ذلك كل ما يعرفه”.

ثم يقول (إداورد) بعد ذلك:

أحد أصعب الأشياء بالنسبة لي كمعلم هو أن أعطي طلابي كل ما أعرفه عن الموضوع، وأحاول شرحه بشكل كامل بقدر ما أستطيع، وبعد ذلك أجعلهم يشعرون بالرضا حول ما قلته أيضا أو على الأقل الشك به، الشك هي الخطوة الأولى لتشييد بناء فوق الهاوية، فإن لم تستطع أن تلهم طلابك لفعل ذلك، إن لم تستطع أن تحركهم ليفهموا بأن التعليم هو تعليم ذاتي فعلاً وليس قبول بلا نقاش لما يقوله المسؤول/السلطة، حينها عليك أن تدرك بأنك سلمتهم إلى عبوديّة فكرية وبالتالي أخلاقيّة.


بقلم: آية علي
مراجعة: ريم العمري
تحرير: أحمد بادغيش
زر الذهاب إلى الأعلى