إدوارد الخراط يتساءل: لماذا نكتب؟
إدوار الخراط 1926-2015. كاتب مصري، ولد بالإسكندرية لعائلة قبطية أصلها من الصعيد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1946م، عمل في مخازن البحرية البريطانية في الكبارى بالإسكندرية، ثم موظفا في البنك الأهلي بالإسكندرية، عمل بعدها موظفا بشركة التأمين الأهلية المصرية عام 1955م، فاز بجائزة الدولة التشجيعية لمجموعة قصصه “ساعات الكبرياء” في 1972م. يمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينات مثلاً ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر للـ”حساسية الجديدة” في مصر بعد 1967م. شكلّت أولى رواياته (حيطان عالية) والتي كتبها وهو لم يتجاوز ال19 نقلة في الرواية العربية القصيرة حيث انتقلت من وصف العالم الواقعي إلى وصف خفايا الأرواح المعرضة للخيبة واليأس.
لماذا نكتب ..؟ نكتبُ لأننا أحياء!! أم أحياءٌ نحنُ لأننا نكتب !!
إنه ذلك التساؤل المنطقي الذي يلح علينا لمعرفة السر وراء تلك الرغبة الجامحة والغير منطقية التي تجعلك تمسك قلمك ومحبرتك وتفرغ على السطور عصارة ذهنك. تلك الرغبة في أن تدعو قارئًا إلى التجول في دهاليز عقلك فيأنس بك وتأنس به. ربما لم نعرف بعد لماذا نكتب، ولكن إدوار الخراط في كتابه (أُنشودة للكثافة) يسرد لنا بعض الأسباب التي تدفعه للكتابة، وربما تجد نفسك تتفق معه في واحدة أو أخرى من هذه الأسباب:
لماذا أكتب إذا ؟ أكتب لأنني لا أعرف لماذا أكتب! أمدفوعًا إلى الكتابة بقوة قاهرة؟
أعرف انني لا أملك إلا الكتابة سلاحاً للتغيير .. تغيير الذات وتغيير الآخر إلى أفضل ربما .. أو أجمل .. أو أدفأ في برد الوحشة والوحدة .. أو أروح في حر العنف والتعصب والإختناق .. لأنني أتمنى أن أقتحم ولو مقدارَ خطوة في ساحة الحقيقة التي لاحدود لها .. لأنني أتمنى أن ترتفع معرفتي ومعرفتكم بالذات والعالم ولو كان ذلك مقدار قامة .. لأنني لا أُطيق أن أتحمل في صمت جمال العالم وأهواله .. فلابد أن أقول .. لأنني أريد أيضا أن تظل العدالة حلماً حياً لايموت .. وصرخةٍ لا تطفئها قبضة القهر .. لأنني أتمنى أن يكون في كلمة من تلك التي أكتب أو في مجمل ما أكتب شيء يدفع ولو قارئاً واحداً أن يرفع رأسه وأن يحس معي أن العالم – في النهاية – ليس أرض الخراب واللا معنى.
لأن الكتابة حديث حميم أتكلم به إلى أناس أعرفهم ولن يتاح لي قط أن أتكلم إليهم .. وأنا أريدهم – هؤلاء المجهولون الذين أعرفهم كما لا أعرف أقرب الأقرباء – أن يسمعوني وأن نسمع معًا عن ذات أنفسنا معًا.
ثم يثير ذلك الجانب الفلسفي من الرغبة في الكتابة:
لأن العالم لغز .. والمرأة لغز .. والإنسان أخي لغز .. والكون كله لغز أحمله في حبة قلبي وهو نواة صلبة في جسد العقل والقلق الذي لا يصل إلى حل .. وأنا بالكتابة مدفوع إلى مناوشة هذه النواة أهاجمها من كل جانب .. بلا أمل في أن أكسرها .. ولا يأس من أن أحمل عليها مرة بعد المرة حتى وإن قصرت يدي وكل سلاحي .. وسلاحي هو عنف الحب ورقته .. أتمنى أن أكتب هذا .. ولهذا أكتب.