شرط اختيار موضوع الرواية عند يوسا
ماريو بارغاس يوسا، ولد في عام 1936، روائي وصحفي وسياسي، حائز على جائزة نوبل في الأدب. في كتابه (رسائل إلى روائي شاب)، وفي الرسالة الثانية تحديدًا، تكلم عن شرط اختيار موضوع الرواية، ومن أين يستمد الروائي موضوع روايته. يقول:
الروائي الحقيقي هو ذلك الذي ينصاع بوداعة، لتلك المتطلبات التي تفرضها عليه الحياة، بالكتابة حول هذه المواضيع، وتجنب تلك التي لا تولد بصورة حميمة من تجربته الذاتية، ولا تصل إلى وعيه بطبيعة لها طابع الضرورة. بهذا تتلخص حقيقة وصدق الروائي، في تقبل شياطينه الخاصين، وفي خدمتهم بقدر ما تسمح به قواه.
الروائي الذي لا يكتب حول ذاك الذي يحثه ويطالبه في أعماقه، ويختار ببرود، شؤوناً أو موضوعات بطريقة عقلانية، معتقداً أنه يتوصل بهذه الطريقة الى النجاح بصورة أفضل، هو كاتب غير حقيقي، وسيكون في الغالب، بسب ذلك و روائياً سيئًا [حتى لو حقق النجاح: قوائم أكثر الكتب مبيعاً (best.sellers) تغص بروائيين سيئين جداً، مثلما تعرف جيداً]. ولكن، يبدو لي من الصعب، أن يتوصل الكائن نفسه، إلى أن يكون مبدعا- محولاً للواقع– ما لم يكتب، مدفوعاً ومتغذياً على تلك الأشباح [أي الشياطين] التي جعلت منا نحن الروائيين، ملاحظين جوهريين، وبناة للحياة في التخيلات التي نختلقها. وأعتقد أنه، بتقبل هذا الشرط – بالكتابة انطلاقاَ مما يتسلط علينا، ويستثيرنا. ويكون أحشائياً، مع أنه كثيراً ما يكون متحداً بحياتنا بصورة غامضة – يمكن الكتابة ” أفضل“، وبقناعة ونشاط أكبر .
الكتاب الذين يتجنبون شياطينهم، ويفرضون على أنفسهم موضوعات معينة، لأنهم يعتقدون بأن تلك الموضوعات التي تجنبوها ليست أصيلة أو جذابة بما فيه الكفاية، بينما الموضوعات الأخيرة هي كذلك، يخطئون خطأ فادحاً. فالموضوع بحد ذاته، لا يمكن له أن يكون جيداً أو سيئاً في الأدب. وكل الموضوعات يمكن لها أن تكون الأمرين كليهما. وهذا لا يعتمد على الموضوع بحد ذاته، وإنما على ما يتحول إليه الموضوع، عندما يتجسد في رواية، ومن خلال شكل معين، أي من خلال الكتابة .. والكتابة السردية تحديداً. فالطريقة التي تتجسد بها القصة، هي التي تجعلها أصيلة أو مبتذلة، عميقة أو سطحية، معقدة أو بسيطة، وهي التي تمنح الشخصيات الكثافة، والغموض، والاحتمالية، أو تحولها إلى كاريكاتيرات بلا حياة، إلى دمى يحركها مدبر العرائس. وهذه واحدة أخرى من القواعد القليلة، في مجال الأدب، التي يبدو لي أنها لا تقبل استثناءات، فالموضوعات بحد ذاتها، لا تفترض مسبقاً أي شيء، لأنها ستكون جيدة أو سيئة، جذابة أو مملة، فقط في كيفية استخدام الروائي لها، عندما يحولها إلى واقع من كلام منظم وفق ترتيب معين.