العلاقة بين العدالة والعلم عند الإمام محمد عبده
يتحدث الإمام محمد عبده عن العلاقة بين العدالة والعلم، حيث يراها صنوان لا يفترقان متى سبق أحدهما تبعه الآخر. ربما يختلف الكثير مع رأيه مستحضرا العديد من الوقائع التي يكون للعِلم فيها دور كبير في تكريس الظلم ولكن يظل من المفيد أن نفكر أكثر في منابع الاستخدام السيء للعلم ومدى تأثيره على العدالة.
هذان الأساسان الجليلان (أعني العدالة والعلم) متلازمان في عالم الوجود متى سبق أحدهما إلى بلاد تبعه الآخر على الأثر، ومتى فارق واحد منعما جهة تعلق الثاني بغبار، فلا يكاد يرفع قدمه أو يضعها إلا وصاحبه يرافقه. بهذا ينبئنا التاريخ وتحدثنا سير الدول التي ارتفع بها منار العدل أو بزغت فيها شموس العلم، كيف تمتعت بالنورين، وطارت إلى أوج السعادة بهذين الجناحين حتى إذا أتت حوادث الدهر على أحد الأساسين فهدمه سقط الآخر بأسرع وقت وانحطت الدولة المصابة بفقده إلى أسفل الدركات فأغسق جوها بكثيف من الظلمات وغشيت أبصارها حجب من الجهالة..
وسر هذا جلي، فإن العلم إذا انتشر في قوم أضاء لهم السبل واتضحت المسالك وميزوا الخير من الشر والضار من النافع، فرسخ في عقولهم أن المساواة والعدالة هما العلة الأولى لدوام السعادة، فيطلبونهما بالنفس والنفيس، وأن الظلم والجور قرينان للخراب والشقاوة. وإذا رسخت قدم العدالة في أمة تمهدت لها طرق الراحة، وعرف كل ما له وما عليه، فتلهبت فيهم الأفكار وتلطف الإحساس وقويت قلوبهم على جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم فيدركون لأول وهلة ألا دوام لما وصلوا إليه ، ولا ثبات لما تحصلوا عليه، إلا إذا تأيد بينهم شأن المعارف الحقيقية، وعمت التربية سائر أفرادهم، فيقدمون بكليتهم على الأخذ بالأسباب المؤدية لانتشار العلوم وتعميمها في سائر الأنحاء.
المصدر: الأعمال الكاملة، محمد عبده.