بين الأديان والفلسفات، لوك فيري يتحدث
لوك فيري، فيلسوف فرنسي، من مواليد 1952. شغل منصب وزير التربية والتعليم في فرنسا ما بين 2002 و2004. هو واحد من الفلاسفة الفرنسيين الجدد، الذين أحدثوا تحولا عميقا في الأوساط الفلسفية السائدة، برموزها المعروفة أمثال (جاك دريدا) و(جاك لاكان) و(جيل دولوز) و(ميشال فوكو) وغيرهم، لاعتقادهم أنّ الفلسفة ضلت الطريق بتوغلها في مباحث فكرية ومعرفية عويصة ومعقدة لا يفهمها إلا خاصّة الخاصّة. في كتابه (أجمل قصة في تاريخ الفلسفة)، كتب عن التشابهات والفروقات بين الأديان والمذاهب الفلسفية. فهو يعتقد بأن كلا من الأديان والفلسفات تهدف إلى رسم “حياة طيّبة” كما اختار أن يعبّر. يقول مبتدئًا حديثه:
حين نبحث عما “ينقذ” الحياة البشرية من الموت، أو على الأقل يعطيها قيمة، لا شيء، حتى الموت، يستطيع أن يقوّضها، فنحن نفكر بكل تأكيد في الأجوبة التي بوسع الأديان تقديمها. لذا أعتقد بأن أنه جاء الوقت لنفسر في ماذا تختلف عنها الفلسفة.
فالأجوبة عن مسألة الحياة الطيّبة، تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
ثمة صنفان من الأجوبة عن مسألة الحياة الطيّبة تلك، بالنسبة إلى البشر، الفانين: الأجوبة التي تمر بالإله وتقوم على الإيمان – وذلك شأن الأديان الكبرى – والأجوبة التي تسعى على العكس إلى أن تهتدي في صلب وجودنا على مجرد حِدة الفكر، وحتى على العقل، إلى منبع للقيم ليس بمقدور الموت ذاته أن يمحوه. وتلك هي الفلسفات الكبرى.
فالأديان تعتمد على فكرة “الخير الأسمى” المتمثل في التعاليم الإلهية، وتعتمد بشكل أساسي على التسليم للأوامر الإلهية وإن لم يسع العقل استيعابها:
أما الأديان الكبرى، فتمثل محاولات عظمى لتقديم حل لمسألة “الخير الأسمى” إلى البشر، الفانين، إذ يتعلق الأمر بإيجاد سبيل إلى بلوغ ما يسمية (القديس أغسطيونس) بـ”الحياة السعيدة“، في مقابل خضوع مضاعف مُنصب على العقل، وعلى الحرية الفردية تجاه القوة الخارجية الراجعة إلى التعالي الإلهي من جهة، وتجاه قوة الاعتقاد والإيمان الباطنية من جهة أخرى. فلابد للعقل أن ينحني في النهاية أمام حقائق الوحي.
ومن جهة أخرى، فالفلسفة تتشابه مع الأديان في هدفها الأسمى بالوصول للحياة الطيّبة، إلا أنها تختلف معها في اعتمادها بشكل كبير على العقل واستقلاليته، وعلى الوسائل المتاحة التي يمكن استنباطها بالعقل والوعي:
وأما الفلسفة، فهي تشاطر الدين في الغاية الرامية إلى تحديد شروط حياة طيّبة بالنسبة إلى البشر، الفانين، ولكنها على العكس من ذلك تريد بلوغ تلك الغاية من خلال استقلالية العقل وحِدّة لوعي، بالوسائل المتاحة وحدها – إن صح القول – وبفضل القدرات وحدها التي يمتلكها الكائن البشري بنفسه. وبالطبع، لا يمنع ذلك بعض الفلاسفة من إدراج فكرة الإله في مذهبهم، وحتى أحيانًا من إيلائها دورًا مركزيًا. ورغم كل شيء، يبقى مسعاهم، وإن في هذه الحالة، مختلفًا عن المقاربة الدينية بمعنى إسهامهم الفلسفي في حد ذاته لا يقوم على الإيمان ولا على سلطة النصوص المقدسة، وإنما على ممارسة الاستدلال الحرة.
وحتى الاعتماد على العقل وحده، لم يمنع بعض الفلاسفة من إثبات وجود الله، واعتباره محورًا مركزيًا لفلسفاتهم وأفكارهم.
ثم يتحدث بعد ذلك عن مجالات الفلسفة، فيقول:
تنقسم الفلسفة، بكل بداهة، إلى مجالات متعددة: المعرفة (ما الحقيقة؟)، الأخلاق والسياسة (ما العدل؟)، مسألة معايير الجمال، وأخيرًا مسألة الخلاص (ما الحياة الطيّبة؟). ولا أنسى أن الفلسفة تهتم أيضًا، وحتى في البداية، بما يجعل المعرفة الموضوعية ممكنة، وبالتفكير النقدي في تعريف ما هو عادل، وبالنظرية السياسية أو منابع الإحساس الجمالي. ولا أنسى كذلك أن بعض الفلاسفة، الذين تركوا بلا شك بصماتهم في تاريخ الأفكار، لم ينكبوا إلا على البعض من هذه الموضوعات، بل إن بعضهم لم يعالجوا إلا موضوعًا واحدًا.