المعرفة والفكر الفلسفي
د. علاء جواد حول سارتر والفردية
د. علاء جواد كاظم، هو باحث عراقي معاصر في الأنثروبولوجيا الثقافية. في كتابه (الفرد والمصير) أورد فصلًا بعنوان (سارتر ؛ الفرد مقدمة لكل أنثروبولوجية مقبلة)، حاول فيه توضيح أفكار (جان بول سارتر) (1905-1980) حول الفرد والفردية، وعلاقتها بالفكر الوجودي الذي أسسه الأخير. يستفتتح (د. علاء جواد) حديثه باقتباس من كتاب (ما الأدب):
“الأبطال هم أفراد، بل حريات وقعت في المصيدة، مثلنا جميعًا. فما هي المخارج؟ إن كل شخصية لن تكون شيئًا إلا في اختيار مخرج ولن تساوي أكثر من المخرج الذي وقع عليه الاختيار .. أي أن كل موقف هو مصيدة تحيط بها جدران: لقد أسأت التعبير فلا توجد مخارج نختارها. إن المخرج يجب أن يُكتشف. إن كل إنسان يكتشف نفسه عندما يجد مخرجًا وعلى الإنسان أن يكتشف نفسه كل يوم”.
ثم يبتدئ كلامه حول علاقة الفرد والفردية بفلسفة (سارتر)، فيقول:
لقد أوجز (جان بول سارتر) في مؤلفه الكبير (الوجود والعدم) الكثير من آرائه وفلسفته، وأعلن من خلالها أن الفلسفة الوجودية تقوم أساسًا على نظرة إلى الإنسان الفرد وترى أن وجوده هو أهم صفاته، وأنه غاية بذاته، ولا أهداف ماورائية لوجوده، بل هو الذي يحدد أهدافه بنفسه.
ثم يكمل شروحاته بعد ذلك قائلًا:
رغم غرابة عبارات (سارتر) إلا أننا نجد اهتمامًا بالفرد يصل حد أنه يشكل مركزًا خصبًا في فلسفته، وهو عندما يفسر التأريخ على منظومة الصراعات داخل شخص ما أو جماعة ما، هذه الصراعات التي تشكل المحرك الأول الذي يصنع التاريخ، ومن خلال مقولة -العقل- بوصفه علاقة بين الفكر وموضوعه يقول (سارتر): “لم يذهب أحد قط ولا التجريبيون أنفسهم إلى القول بأن العقل هو ترتيب أو تنسيق لأفكارنا أنه من الضروري أن يعاد إنتاج هذا الترتيب باستمرار وهكذا فإن العقل هو علاقة بين المعرفة والوجود”.إذًا ليس ثمة جدال في أن الأساس العيني الوحيد للجدل التأريخي هو البنية الجدلية للفعل الفردي، وما أن نجرد -ولو للحظة- الفعل الفردي من الوسط الاجتماعي الذي ينغمس فيه حتى تنكشف فيه تطورًا كاملًا للمعقولية الجدلية بوصفها منطق تشميل .. “إننا عندما نتحدث عن الفرد الذي يصنع التاريخ، بالتالي نتحدث عن كثرة هائلة من الأفعال الفردية، ومن ثم فنحن أمام كثرة من الفاعلين الجدليين أعني من الأفراد الذين ينتجون البراكسيس”.
وعن رؤية (جان بول سارتر) للمجتمع، وتفضيله بين الفرد والمجتمع فيقول:
أما المجتمع أو التجمع عند (سارتر) فهو: الشكل الاجتماعي الذي يكون فيه مجموعة من الأفراد المتعددين الذين لا يرتبطون فيما بينهم إلا بعلاقة التخارج. أو أنها تجد وحدتها في هذا التخارج، فالأفراد في هذا الشكل الاجتماعي هم [ذرات] منفصلة كل منهم يعيش عالمه الخاص، والناس في عملية التذري هذه “أي حين يصبحون ذرات، فإنهم يصبحون أشبه بالأدوات التي ترقد جنبًا إلى جنب في صندوق واحد، يمكن أن تستخدم كلها في تغيير العالم”.ويعارض تمامًا اعتبار المجتمع كائنًا متعاليًا أو نظامًا ميتافيزيقيًا بل إن أول “خطأ يجب إزالته من طريقنا في بداية دراستنا للجماعة هو ذلك المذهب الذي يتصور الجماعة كائنًا عضويًاحيًا عاليًا، أعني المذهب الذي يتصور الأفراد في الجماعة هم أعضاء في كائن علوي”.
ثم يختم مقالته بنقل مقولة أخرى من (سارتر):
“ليس من الضروري أن الإنسان ينبغي عليه أن يعرف بالضبط معنى ما يفعله ولا حتى ما الذي يفعله أو ما هو التغيير الموضوعي الذي يحذثه فعله، أو إن الغائية المضادة هي النتيجة النهائية للفعل البشري وإنها في نفس الوقت تتعارض مع الغاية التي كان ينشدها الفاعل”.