حديث النبي عن الأفراح والأحزان، ممّا كتب جبران خليل جبران
«والبئر الواحدة التي تتقون منها ماء ضحككم قد طالما ملئت بسكين دموعكم»
جبران خليل جبران (١٨٨٣-١٩٣١م) هو شاعر وكاتب ورسام لبناني. ويُعد من أدباء وشعراء المهجر. هاجر وهو صغير مع أمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٨٩٥م حيث درس الفن وبدأ مشواره الأدبي. كانت بدايته الأدبية باللغة العربية، وبعد ذلك كتب باللغة الإنجليزية، وتُعرف مؤلفاته بأنها الأعمال الشعرية الأكثر مبيعًا -عالميًا- بعد (شكسبير) و(لاوزي). اشتهر عند العالم الغربي بكتابه الذي تم نشره سنة ١٩٢٣م وهو كتاب (النبي) الذي نقتبس منه اليوم في ساقية.
تنبني حبكة (النبي) في هذا النبي الذي يغادر قومه، بعد أن يودعهم بكل حب، “«فإن المحبة منذ البدء لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق»، فيقول مودعًا:
كثيرةٌ هي أجزاء روحي التي فرقتها في هذه الشوارع، وكثيرٌ هم أبناء حنيني الذي يمشون عراة بين التلال، فكيف أفارقهم من غير أن أثقل كاهلي وأضغط روحي!
يبدأ الجمع بعد ذلك في سؤال هذا النبي عن حكمته في شتى أمور الحياة، مثل الحب والزواج والأبناء، حتى قالت له امرأة «هات لنا شيئًا عن الفرح والترح»، أي الحزن. فأجابها:
إن فرحكم هو ترحكم ساخرًا.
والبئر الواحدة التي تتقون منها ماء ضحككم قد طالما ملئت بسكين دموعكم.
وهل في الإمكان أن يكون الحال على غير هذا المنوال؟ فكلما أعمل وحش الحزن أنيابه في أجسادكم؛ تضاعف الفرح في أعماق قلوبكم.
لأنه أليست الكأس التي تحفظ خمرتكم هي ذات الكأس التي أُحرقت في أتون الخزاف قبل أن بلغت إليكم؟
أم ليست القيثارة التي تزيد في طمأنينة أرواحكم هي نفس الخشب الذي قطع بالمدى والفؤوس؟
يكمل بعد ذلك النبي في وصيته:
فإذا فرحتم فتأملّوا مليًا في أعماق قلوبكم فتجدوا أن ما أحزنكم قبلًا يفرحكم الآن.
وإذا أحاطت بكم جيوش الكآبة فارجعوا بصائركم ثانية إلى أعماق قلوبكم وتأملوا جيدًا. تروا هنالك بالحقيقة أنكم تبكون لما كنتم تعتقدون أنه غاية مسراتكم على الأرض.
ويُخيّل إلىّ أن فريقًا منكم يقول: «إن الفرح أعظم من الترح»، فيعارضه فريق آخر قائلًا: «كلا، بلا الترح أعظم من الفرح».
أما أنا فالحق أقول لكم: إنهما توأمان لا ينفصلان، يأتيان معًا ويذهبان معًا، فإذا جلس أحدهما منفردًا إلى مائدتكم فلا يغرب عن أذهانكم أن رفيقه يكون حينئذ مضطجعًا على أسرّتكم.
ويختتم خطبته فيقول:
أجل، إنكم بالحقيقة معلّقون كفتي ميزان بين ترحكم وفرحكم.
وأنتم بينهما متحركون أبدًا، ولا تقف حركتكم إلا إذا كنتم فارغين في أعماقكم.
فإذا جاء أمين خزائن الحياة يرفعكم لكي يزن ذهبه وفضته، فلا ترتفع كفة فرحكم ولا ترجح كفة ترحكم، بل تثبتان على حالة واحدة.