نظريتي الفرصة والتوافق في التعليم عند تشوميسكي
نعوم تشومسكي (مواليد 1928) هو أستاذ لسانيات أمريكي، وفيلسوف وعالم بالإدراك والمنطق، ومؤرخ وناقد وناشط سياسي.
في مقالة نُشرت باسم “النظرية التعليمية لـ(نعوم تشوميسكي)”، من كتابة وتحليل كل من (سكوت بوفيتش)، (زاك كوليمور)، (تانيشا برامويل-جونز) و(إليزابيث ماساس)، وبترجمة حصرية لدى ساقية، عن نظريتي التوافق والتعليم، بنظر (تشوميسكي). فكُتب في المقالة:
نظرية الفرصة: من الذي يجب ان يتعلم؟ من الذي يجب ان يدرس؟
إذا كان لأحد ان يدرس (تشومسكي) وكتاباته، فسيكون قادرا على العثور على مفهوم ضمني يوضح واحدة من أكبر تطلعات (تشومسكي) في مسألة حقوق الإنسان مفادها “يجب أن يكون الناس أحرارا وأن يكون لهم حرية ان يعبروا عن أنفسهم بالتعاون مع الآخرين”، و ألا تكون هذه الحرية مضطهدة من قبل هيئة حاكمة ايا كانت. يقول (إدجلي) (2005): “إذا كان البشر مبدعون أساسا مع” غريزة للحرية “لتحقيق المشاريع التعاونية، إذا فالدول والرأسمالية بالتأكيد ستعمل ضد الطبيعة البشرية، لأن السلطة تكمن في أيدي عدد قليل، وبالتالي يتم إنكار الشروط الضرورية للنشاط الإنتاجي التعاوني والإبداعي الإنساني “. إن (تشومسكي) ينادي بأن يقدم التعليم لجميع من يريدون التعليم، وأنه لا ينبغي إعفاء أحد من هذه الفرصة، ولكن في الوقت نفسه، لا ينبغي إجبار أحد على التعليم. المفتاح لفكرته هو أنه يجب أن يكون التعليم لأولئك الذين يريدن وليس لاولئك الذين يجبرون.
وتتبع فكرة (تشومسكي) عن من سيجري تعليمه نفس النمط الذي جرى على من يجب تدريسه؛ أولئك الذين يريدون أن يتعلموا. ما يريد ايصاله هو أن المدرسة يجب تتبع طريقة ديمقراطية للتعليم ولا تستخدم الإجبار بأي شكل. وكما يقول (تشومسكي) (2000) عن أسلوبه الخاص في التدريس: “لا أحاول إقناع الناس، على الأقل ليس بوعي، ربما أفعل، وإذا كان الأمر كذلك، فذلك خطأ، فالطريقة الصحيحة للقيام بالأشياء ليست محاولة اقناع الناس إن كنت على حق ولكن تحديهم للتفكير بذلك من خلال لأنفسهم”.
ننتقل إلى النظرية الأخرى، وهي نظرية التوافق:
نظرية التوافق: ما هو الإجماع؟ لماذا لا يوافق الناس؟ كيف يتحقق توافق الآراء؟ ماهي الآراء التي لها الأسبقية؟
ويقول (تشومسكي)، بعبارات عريضة جدا، أن الإجماع هو الاتفاق المتبادل بين البشر اذي يحدث بشكل تلقائي عندما يتحملوا مسؤولية إدارة وحكم أنفسهم. فيتوصل مجتمع ما إلى توافق في الآراء من خلال تعاون متماسك يطمح إلى التوصل إلى اتفاق متبادل بين أفراد المجتمع. والهدف من هذا التعاون في الرأي تمثيل المثل العليا للبشر والمخاوف الموجودة في المجتمع بدلا من المصلحة الذاتية لشخص معين أو لمجموعة أو منظمة مهيمنة. إن هذه معالجة واسعة النطاق ومثالية للغاية لهذه الظاهرة. على الرغم من أن (تشومسكي) يخاطب مجتمع محدد، إلا انه يفكر بأفق رحب .
المجتمع الحقيقي يعتبر المثل العليا والشواغل وحرية المجتمع استحقاقا. وهذه الاستحقاقات إذا تم تحديها من قبل مجلس حاكم سيؤدي إلى قيود لا مبرر لها وإلى تنازع. سيختلف المجتمع عندما تخرج سلطته في إدارة شواغله وسلامته المالية الى سلطة خارجية. “إن القيود المفروضة على حرية الإنسان والغير مطلوبة للبقاء سوف تميل إلى أن تنحى نتيجة للطبيعة عند البشر”، و نتيجة لـ“غريزة الحرية”، وإلى “الجهود المبذولة للتغلب على البنى الإستبدادية الناجم عن تلك الغريز “ (كوهين أند روجرز، 1991 )
وفيما يتعلق بتوافق الآراء، يرى (تشومسكي) أن القادة في الولايات المتحدة كانوا يستخدمون وسائط الإعلام التقليدية كشكل من أشكال الدعاية للاستفادة من اتفاق الحشود من خلال تزييف الحقائق لمصلحتهم الخاصة. وكان هذا هو الحال في كثير من الحالات عندما حكومة الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية عندما وجهت سلطتها للاستفادة والاحتياز على القوى الاقتصادية سواء اكانت هذه القوى عبارة عن الأرض أو النفط أو اي سلعة أخرى تعمل كوسيلة لتحقيق غاية ما (تشومسكي وهيرمان ، 1988 )
“عادة ما يملك المثقفون المفكرون رؤساء ايدولوجيين واجتماعيين ، وهم يخدمون السلطة أو يسعون هم انفسهم إلى تولي السلطة من خلال السيطرة على الحركات الشعبية التي يعلنون عن أنفسهم فيها بأنهم قادة، فبالنسبة للأشخاص المهووسين بالسيطرة و بالتلاعب من المفيد لهم أن يعتقدوا أن البشر ليس لديهم طبيعة أخلاقية وفكرية جوهرية، بل هم ببساطة ادوات يتم تشكيلها من قبل مدراء الدولة والايدولوجيين واصحاب الافكار – الذين يدركون بالطبع ما هو جيد وحق” (أرنوف، 2005)
ومما يدعو للسخرية إلى حد ما، أن تحذير (تشومسكي) من المفكرين يأتي في مواجهة حقيقة أنه هو نفسه يُنظر إليه من قبل الكثيرين على انه مفكر. ولكن لأسباب تتعلق بنقده الصريح لسياسات حكومة الولايات المتحدة ووسائط الإعلام التي يرى أنها تدعم تلك السياسات، اصبح (تشومسكي) يرى انه معادي للولايات المتحدة، وكثيرا ما يستخدم كمثال على “الفكر الليبرالي“. نظريات (نعوم تشومسكي) حول الإجماع هي في الواقع صورة للديمقراطية المثالية، حيث كل فرد متساوي، أو شبه متساو، على الاقل في فرصته للتقدم في المجتمع. ويبدو أن هذا الرأي قد أثار وانتج الكثير من انتقاداته لسياسة حكومة الولايات المتحدة، سواء سياستها الأجنبية أو المحلية، على مر السنين.
[المصدر]
ملاحظة: هذه المقالة هي الجزء الرابع والأخير من أربع مقالات، حول نظرية التعلم والتعليم عند (تشوميسكي)، بترجمة حصرية لدى ساقية. نُشرت المقالات الأولى مُسبقًا.