في ذاته و لذاته و اللاتناهي عند هيجل
جورج فيلهلم فريدريش هيغل (1770 — 1831)، فيلسوف ألماني وُلد في المنطقة الجنوبية الغربيةِ من ألمانيا. يعتبر (هيغل) أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي.
(هيجل) وكما سبق التعريف عنه في مقالة سابقة، يتناول مصطلح “في ذاته و لذاته” “En soi et pour soi”
و الذي هو عنده على خلاف ما جاء به (كانط) لا يرادف “ما هو لذاته” بل يتقابل معه. غير “أن الوجود لذاته” فكرة معقدة و ليس السبب في ذلك أنها تقابل “الوجود في ذاته” فحسب، بل لأنها أيضاً تقابل مصطلح “الوجود للآخر”.
الفكرة التي تقول إذا كان شيء ما وجود لذاته فإن ذلك يعني أنه مدرك لذاته – تؤدي إلى فكرة أبعد هي القول أن للكائن في ذاته خصائص معينة ليست من أجل ذاته. فالطفل عاقل في ذاته. و لكن ليس من أجل ذاته، طالما أنه ليس مدركاً أنه عاقل، والعبد بوصفه إنساناً فهو حر في نفسه، لكنه لا يكون حراً من أجل ذاته. والطور عند (هيجل) يتضمن عودة إلى البداية أو إلى ما هو في ذاته، فالثبات في النهاية ينتج بذوراً من جديد، والشيخوخة هي عودة من صراع خصائص الشباب إلى نسخة راقية من تآلف الطفولة ورضاها عن العالم.
الوجود في ذاته ولذاته ؛ كثيراً ما يرى على أن المرء في بيته و مع نفسه، أو يعني وصول المرء إلى ذاته في الآخر.
و ذلك شبيه باللاتناهي و بصفة عامة فإن استخدامات (هيجل) لتعبيرات “ذاته” متنوعة ومرنة.
(هيجل) واللاتناهي “L’Infinie“
مصطلحات “اللاتناهي” و”اللامتناهي” تقابل “التناهي” و”المتناهي“، وهي تشير إلى غياب النهاية أو الحد “اللامحدود“.
ولقد رأى (شلنج) و(هيجل) مشكلتين أساسيتين في اللامتناهي:
أولاً: إذا كان اللاتناهي متميزاً عن (التناهي) فهو بذلك محدود بواسطة المتناهي، هكذا يكون متناهياً وليس لا متناهياً. فإذا كان الله مثلاً متميزاً عن العالم فهو متناه.
و من ثم فقد ذهبا، مثل (فتشه)، إلى أن اللامتناهي ليس متميزاً عن المتناهي، لكنه يتضمن المتناهي كوجه له أو لحظة من لحظاته.
ثانياً: التراجع اللامتناهي أو التقدم اللامتناهي (فاسد) فهو غير متماسك من الناحية العقلية ويقضي على نفسه من الناحية العملية.
وهكذا يعترضان على فكرة (كانط) و(فتشه) القائلة:
يأن للبشرية هدفاً ينبغي عليها أن تكافح من أجله، لكنها لا يمكن أن تبلغ متناه.
(هيجل) حاول أن يستعيد، على مستوى أعلى العالم المتناهي المنغلق على ذاته عند (أرسطو) في مقابل العالم ذي النهاية المفتوحة في عصر التنوير و في علم (نيوتن) المليء بالاضداد بين الذات والله والعالم، وبضروب من المتناهي عسرة الهضم، غير أن هذه الضروب من اللاتناهي يصعب اسبعادها:
إذ يذهب (هيجل) إلى أن الزمان و المكان هما ضربان من اللامتناهي “الفاسد“.
ولم يلمح إلى أن المكان دائري حتى أن الحركة في خط مستقيم لا بد في النهاية أن ترتد بنا إلى نقط البداية من جديد . كما أنه لم يعمد مثل (نيتشه) إلى إحياء الفكرة الفيثاغورثية التي تتضمن العود الذي لا نهاية له للشيء نفسه بالضبط، و لا حتى الأحداث الممتدة في هوية واحدة من الناحية الكمية.
ففكرة العود الأبدي تتعارض مع إيمان (هيجل) أن التاريخ يتقدم نحو هدف ما. لكن إهماله لها جعله يتأرجح بالتساوي بين النظرة التي تقول أن التاريخ يصل أو أنه وصل إلى نهاية، وبين النظرة التي تقول أنه يسير نحو لا متناه، حتى لو استطعنا أن نعرف كيف سيواصل سيره وأننا لا بد أن نحضر أنفسنا في اللامتناهي الحقيقي الخاص بالحاضر.