سيكولوجيا الإباحية والعلاقات بين الجنسين عند بريدجز
كتبت آنا بريدجز، أستاذة علم النفس بجامعة أركنساس، ورقة بحثية تناولت فيها الأدبيات التي تفسر تأثير المنتوجات الإباحية على العلاقات بين الجنسين. عرضت آنا في بداية ورقتها عددا من النظريات التي تشرح بأي الطرق تُعمل الأفلام الإباحية أثرها على مستهلكيها سنتعرض لثلاث منها باختصار.
تفترض النظرية الأولى نموذج التعلم الاجتماعي Social Learning Model أن الأشخاص يتعلمون من خلال الملاحظة ، ولكنهم لا يحاكون من التصرفات إلا ما ينتهي بمكافأة. و عليه؛ فإنه:
لما تصور الإباحيات رجلا يُخضِعُ امرأة جنسيا، فإن المتلقي يتعلم أن هذا الإخضاع ينتهي بمكافئة جنسية له و لشريكه، و تصبح محاكاته لهذا الفعل أكثر احتمالا. توليفة الإثارة الجنسية و العنف معا – كما أشارت الأبحاث باستمرار- تنتج سلوكا معاديا للنساء أكثر مما ينتجه تصوير العنف ضد النساء أو الفعل الجنسي الصريح وحده.
تدعى النظرية الثانية نموذج الدور/ السيناريو الجنسي Sexual Script Model. السيناريو هنا هو بنية في الذاكرة توفر قواعدا للسلوك. بحسب هذه النظرية؛ تتكون هذه السيناريوهات تدريجيا مع مرور الوقت و مع التعرض المتكرر لمجموعة من المحفزات لهذا السلوك. ما يهمنا هنا هو أن السيناريو الذي تعرضه الإباحيات يشدد على :
معايير الجمال المقبولة اجتماعيا، فكرة توافر الآخر جنسيا باستمرار و الشهية الجنسية النهمة التي لا تشبع عند الرجال و النساء، و إثارة في التجديد الجنسي. هذا السيناريو الإباحي نادرا ما يتضمن أي عاطفة، علاقة حميمة ، تعبير عن الحب، أو أي مداعبة .
ثالث النظريات تدعى نموذج المناخ الاجتماعي Cultural Climate Model. تقول بأن الإباحية تساهم في تكوين بيئةٍ يكون فيها العنف ضد النساء مقبولا. تحوي هذه البيئة ما يسمى بـ ” معايير أو أعراف الإباحية Pornography norms “، و لا يقتصر تأثير هذه الأعراف على إدراك الرجل للمرأة بل على إدراك المرأة لنفسها أيضا. نظرياً، فإن التعرض للإباحية يؤدي إلى :
خفض احترام الذات و خفض الرضا عن صورة الجسد، و الإحساس بالنقص الدفاعي ؛بالنسبة للنساء. أما بالنسبة للرجال؛ فتحتفي بعرض الذكورة المفرطة، و تبسيط شأن استخدام العنف ضد النساء.
و لتصوير ما ذُكر أعلاه عمليا، أورد شيئا مما عرضته الباحثة في تحليل محتوى لخمسين فيديو للبالغين في قائمة الأكثر مبيعا.
نصف المشاهد المُحلّلة تحتوي عنفا لفظيا، و يعرض 88% منها عنفا جسديا. استجاب أغلب ضحايا العنف بالاستمتاع بهذا العنف أو الحياد. قوبل أقل من 5% من السلوكيات العنيفة باستجابة سلبية من الضحية كطلب التوقف او الإحجام .
.. و هذا هو “الواقع ” المحرَّف للإباحية، ممثلا بلغة الأرقام بفجاجة.
في النصف الثاني من ورقتها تناولت آنا بريدجز التأثيرات المحتملة للمواد الإباحية على العلاقات بين الأشخاص. حيث تقول الباحثة بأنه بات من الواضح أن استخدام المواد الإباحية يتصاعد إلى مستوى الإدمان. ذلك الإدمان المتصف بالاستخدام القهري برغم العواقب السلبية على حياة المستهلك الوظيفية أو العاطفية. في إحدى الإحصائيات المرفقة في الدراسة؛ صرح 70% من حوالى التسعة آلاف مستخدم بأنهم يخفون عن شركائهم العاطفيين كمية الوقت الذين يقضونه في متابعة الإباحيات إلكترونيا. و مع كثرة المؤشرات على إمكانية أن يتحول استهلاك هذه المواد إلى استهلاك مُشكل. يبقى من المهم معرفة ما إذا كان المستخدم نفسه مدركا لما إذا كان استهلاكه مُشكِلاً أو لا. في هذا الصدد تكتب آنّا :
هناك اعتبار مهم يجب التنويه عليه عند الحديث عن تأثير المواد الإباحية و هو : النتيجة التجريبية التي توضح بأن الناس يميلون بشكل ملحوظ إلى اعتبار ” الآخرين” أكثر عرضةً للتأثر بالإعلام مع الاعتقاد بأنهم “أنفسهم” محصنون و منيعون عن ذلك في نفس الوقت. و هذا ما يسمى بتأثير الشخص الغائب. تبعا لذلك، يجب أن يشمل التعليم معلومات عن الكيفية التي تؤثر بها الإباحيات و معلومات عن هذا الانحياز الإدراكي لئلا يكون الشخص متسرعا في صرف النظر عن المعلومة التثقيفية.
يمكننا أن نتوقع بأن المادة الإباحية تساهم في تشكيل موقف سلبي تجاه النساء، خاصة و أنها كثيرا ما تصورهن – حسبما تقول الباحثة- كأشياء أو أجسام متواجدة من أجل متعة الرجل وكـتوابع. و في استعراضها للدراسات التي بحثت تأثير الإباحيات على مواقف الأشخاص من دور الجنسين أو الدور الجندري gender roles ، وجدت أن:
استخدام الرجال للمواد الإباحية الصريحة المشتملة على قسر أو عنف كان مرتبطا مع اعتقادهم بوجوب أن تشغل النساء أدوارا جندرية تقليدية أكثر، أن تكون أقل استقلالا من الرجال ، و أن تبدي اهتماما أقل من الرجل بالجنس .
في مجمل استعراض بريدجز لعدد من الدراسات التي تبحث تأثير استهلاك المواد الإباحية على موقف الشخص من ضحايا العنف الجنسي أو الاغتصاب؛ وجدت أن استهلاكها مرتبط بنقص التعاطف مع الضحية. يتواجد هذا التأثير خاصةً مع توليفة المواد الصريحة جنسيا و المُحِطّة في ذات الوقت. علاوة على ذلك؛ فهي مرتبطة مع زيادة الإحساس بمسؤولية المرأة عن اغتصابها، و التهاون مع الجاني و دعم العقوبة الأخف. نضيف إلى ذلك قابلية المادة الإباحية لأن تكون ذات تأثير مسبب للتبلّد العاطفي blunted affect ؛ أي أنها ” تفقد قدرتها على استحضار التفاعل القوي مع التعرض المستمر لها” ، فيستجيب المشاهد للمادة المزعجة بقدر أقل من الاستياء و الغضب كل مرة.
أمّا فيما يخص تأثير الإباحيات على العلاقة العاطفية بين الشريكين:
فإن التعرض المتكرر للمواد الإباحية قلّل الرضا الجنسي لكلا الطرفين بشأن تعبير الشريك عن العاطفة، مظهره الخارجي، و حتى أدائه الفعلي.
يمكن إعادة النظر في النصوص أعلاه بعد التفكير في المواد الإباحية المتاحة و السهلة المنال بشكل متزايد، وبعد اعتبار ردود الأفعال المستفزة حول حالات التحرش التي دائماً ما تُلام المرأة عليها.