#رف_راضي: في الدستوبيا أو المدينة الفاسدة .. غير أورويل!
منذ مئات السنين، شرعت خيوط الاقتصاد والسياسة والتاريخ بنسج قماشة كبيرة اسمها «الدولة الحديثة»، وعبر تاريخها ساءل الإنسان نفسه ومن حوله عما يجب فعله، وعن الصواب فعله، وعمّا يمكن التغاضي عنه. لكن روايات هذه القائمة معنية بإنسان أو جماعة تفعل ما تريد فعله بالآخرين، وأثر ذلك على الجماعة والفرد. ولا يذكر صنف «الدستوبيا» أو أدب المدينة الفاسدة في الأدب الحديث إلا ويحل اسم (جورج أورويل) وكأنه الكاتب الوحيد في هذا الصنف، مع أنه أشبِعَ كتابةً في الشرق والغرب. وتأتي روايات هذه القائمة مصداقًا لهذه العبارة.
عالم جديد شجاع، ألدوس هكسلي
يقال إن التاريخ عبارة عن حصان هو الاقتصاد وعربة هي السياسة، وهكسلي يقدم لنا في هذه الرواية مستقبلًا يجمح فيه الحصان عن لجامه فينطلق نحو معلوم تسوده التقنية ويغيب عنه الشعور، تحت عالم تسوده الأرقام لا الكلمات، يصطلي فيه الإنسان بنار المتعة دون الحرية ودون اختيار أن يكون المرء بشرًا، بل عبدًا للمتعة.
كالوكين، كارين بوي
تحكي هذه الرواية عن دولة شمولية أخرى تتدخل في حياة مواطنيها ابتداء على صعيد الحياة العامة وليس انتهاء بتربية الأطفال. وفي خضم ذلك، يكتشف أحد العلماء مصل الحقيقة الذي يمنع المحقون به من الكذب، فيفرح لظن منه أن المصل كفيل بكشف أعدائها ومناوئيها، لكن يتضح الأمر في نهاية المطاف أن الدولة احتجزت كل من صرح بأفكار ومشاعر أو عبر بشكل متواصل عن كلمة “روح”، وهو ما لا تتضح عواقبه إلا في ما بعد، فيقرر التصرف حيال ذلك بما يخلب لب قارئ الرواية، بلغة شعرية عالية قد لا تصادفها في رواية دستوبية أخرى.
في بلاد الأشياء الأخيرة، بول أوستر
يقف أوستر في هذه الرواية على تخوم الكارثة، ويضع شخصياته على حافة الانهيار طوال الرواية بوتيرة مقبضة دون نهاية واضحة، حيث كل شيء يكاد ينهار فتكاد النفوس تتداعى وفقًا لما يحدث من حولها، بالتالي تسيطر غريزة البقاء وتُمحى الحدود والاعتبارات الأخلاقية، فإما أن تموت وإما أن تضحي بالغير.
هدام، فهد الفهد
الحدث لوهلة مفرح للغاية، خصوصًا لمن يعيش في البلاد العربية، لكن طوله يجعل منه نقمة لدى البعض، وهكذا يصوغ فهد الفهد حكاية عن الاستقطاب، والخير، والشر، وخيارات البشر إزاء الجوائح، وعمّا قد يفعله البعض لأجل أي مخلّص مزعوم، وهشاشتهم إزاء أي كارثة مقبلة، وما قد تنتهي إليه الجماعات حين لا تسمع بعضها البعض أو حين لا يسمع أفرادها بعضهم بعضًا.
حكاية الجارية، مارغريت آتوود
يجد القارئ نفسه صحبة أوفرد في “جلعاد”، الدولة التي سلبت النساء حيواتهن وجعلتهن رهنا للحمل من الرئيس أو النفي وتنظيف النفايات الإشعاعية. هذه الدولة التي وضعت موجودة في شوارعها بدلًا عن اللافتات المكتوبة، ولا سلطة إلا للنظام الذكوري في أبشع صوره. وما بين حاضر شديد الوطأة وماض أنيس، تكافح أوفرد لمعرفة واقعها والنجاة من براثن النظام القائم بين خائف ومستفيد منه.
نحن، يفغيني زامياتين
هذه رواية عن الاغتراب وسلب الانسان هويته بقدر ما هي رواية عن الدستوبيا، حيث الكل يرضى بتعريف رمزي جمعي، بيد أن شخصية الرواية الرئيسية يشعر باختلافه عن البقية منذ اكتشافه وجود الشعر على ذراعيه – وهو ما عُدَّ غريبًا لكونها صفات “بدائية” – علاوة على شيءٍ اسمه “روح”، ليصادف بعد ذلك امرأة تكشف له عن تنظيم سري للغاية، ويراجع خيار المعيشة في نظام مثل هذا.
آلة الزمن، هـ. ج. ويلز
على أن العالم المُفترَض في هذه العوالم يبدو أشد عوالم روايات هذه القائمة سلامًا، إلا أن ويلز يرينا أن النزاع والتدافع بين البشر قائم لا محالة، حيث يذهب إلى تصوير طبقتين تكافح إحداهما لأجل الأخرى ثم تستفيد منها في ما بعد، في نثر لا يخلو من الانحياز للطبقة الكادحة، مؤكدًا أن الشقاء يدفع الإنسان إلى التحلي بالذكاء فيبقى، وأنه ليس شرًا محضًا.
الجدار، جون لانكستر
تشير هذه الرواية بإصبعها نحو المستقبل المظلم بينما عينُها نحو الأسفل، أي إلى واقع اليوم، المَسُود بالظن والمشورة الخاطئة، والتوقعات التشاؤمية جرّاء السلوكيات البيئية الحالية، والجدار المغلق أمام “الآخر”، سواء كان فردًا من نفس المجتمع برأي مختلف، أو مختلفًا عن المجتمع ولكن ذو وجدان يشاطر أهل البلاد ما يتألمون منه وما يأملون به.
يوتوبيا، أحمد خالد توفيق
تصل الفوارق الطبقية بين أفراد مجتمع عربي إلى أقصاها، فيتمترس الأغنياء في مجمعات سكنية مسورة لا يُرى ما وراؤها، أما في الداخل فما لذ وطاب للأحباب ولغيرهم. لكن كاتب الرواية لا يكتفي بذلك، بل يُري قارئه حال “الأغيار” من خارج المجمعات، حيث الفقر والعوز وفعل أي شيء لمجرد سد الرمق. وبينهما تحل نزوة في عقل أحد سكان المجمعات فيخرج، وتأتي سلسلة من الأحداث الكفيلة بما يقلب سير هذين الواقعين رأسًا على عقب.
استسلام، راي لوريغا
تنطلق هذه الرواية من حادثة إجلاء نحو مدينة شفافة لتنثر أفكارها الصادمة على مد الصفحات بشأن الوعي وضريبته وبشأن الفردانية والحرب وإمكانية زوال أي شيء ونزعة البقاء التي قد تقود الإنسان إلى دفع ثمن الهرب من ماض بائس ولو إلى حاضر مجهول.