جورج أورويل ودوافعه للكتابة
إريك آرثر بلير الذي اشتهر وذاع صيته باسم جورج أورويل (1903-1950) هو صحافي وروائي بريطاني، حاز على المرتبة الثانية في قائمة (أعظم 50 كاتب بريطاني منذ 1945) في صحيفة التايمز في عام 2008. قال عنه إرفينغ هاو: “كاتب المقالات الأعظم منذ هازلت وربما منذ د. جونسون“!
كتب أورويل في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية. اُشتهر برواياتٍ عديدة كان من أهمها روايتيه: (1984) و(مزرعة الحيوان)، واللتين تم بيع نسخٍ منهما معا أكثرَ من أيِّ كتابٍ آخر لأيٍّ من كُتّاب القرن الواحد والعشرون. فقد وجد الناس في رواية (1984) ماساعدهم على تجاوز مصاعب الحياة؛ كونها سلطت الضوء على الأنظمة الشمولية، وتأثيرها على حياة الأفراد.
كان من أجمل ماقاله في كتابه (لماذا أكتب؟!): “أكثر مارغبت بفعله طوال العشرة أعوام الماضية هو أن أجعل من الكتابة السياسية فنًّا، ونقطة انطلاقي هي دائمًا شعور من الحزبية والحسّ بالظلم. عندما أجلس لكتابة كتاب لا أقول لنفسي سأنتج عملاً فنياً، إنما أكتبه؛ لأن ثمة كذبة أريد فضحها، أو حقيقة أريد إلقاء الضوء عليها، وهمي الوحيد هو أن أحصل على من يستمع. ولكن ليس بإمكاني القيام بمهمة تأليف كتاب أو حتى مقالة طويلة لمجلة لو لم تكن أيضاً تجربة جمالية”.
هنا يجيب جورج أورويل في كتابه (لماذا أكتب؟!) عن دوافعه للكتابة في أربعة نقاطٍ موجزة.. فيقول:
أعتقد أن هناك أربعة دوافع للكتابة على الأقل عند كل كاتب، وتكون بنسبة متفاوتة من وقت لآخر حسب وضع العالم الذي يعيش فيه، وتلك الدوافع هي:
(١) حب الذات الصرف:
الرغبة في أن تكون ذكياً، أن يتم الحديث عنك، أن تُذكر بعد الموت، أن تنتقم من الكبار الذين وبخوك في طفولتك.. إلخ، من الهراء التظاهر بأن هذا ليس بدافع، بل دافع قوي.
الكتَّاب يتحلون بهذه الصفة إلى جانب العلماء والفنانيين و السياسيين والمحاميين والجنود ورجال الأعمال الناجحين، باختصار لدى كل النخب الإنسانية. الغالبية العظمى من البشر هم أنانيون تماماً، بعد سن الثلاثين يتخلون تقريباً عن وعيهم بفرديتهم بالكامل، ويعيشون بشكل رئيس من أجل الاخرين، أو يسحقون ببساطة تحت وطء العمل الكادح، لكن هناك أيضاً أقلية من الأشخاص الموهوبين والجامحين المصممين على عيش حياتهم حتى النهاية، أو الكتاب الذين ينتمون إلى هذه الطبقة، ينبغي عليّ القول بأن الكتاب الجادين هم في المجمل أكثر اختيالاً وأنانية من الصحفيين، لكن أقل اهتماماً بالمال.
(٢) الحماس الجمالي:
إدراك الجمال في العالم الخارجي، أو من ناحية أخرى في الكلمات وترتيبها الصحيح. البهجة من أثر صوت واحد على الاخر. في تماسك النثر الجيد أو إيقاع قصة جيد.
الرغبة في مشاركة تجربة يشعر المرء أنها قيمة ويتعين عدم تقويتها. الدافع الجمالي واهن جداً عند الكثير من الكتَّاب، لكن حتى مؤلف الكتيبات أو الكتب المدرسية ستكون لديه كلمات ومصطلحات مدللة تروق له دون أسباب نفعية، أو قد يهتم بقوة بأسلوب الطباعة، واتساع الهامش.. إلخ، فوق مستوى دليل القطارات، لايوجد كتاب يخلو من الاعتبارات الجمالية.
(٣) الحافز التاريخي:
الرغبة برؤية الأشياء كما هي، لاكتشاف حقائق صحيحة، وحفظها من أجل استخدام الأجيال القادمة.
(٤) الهدف السياسي:
استخدام كلمة (سياسي) بأشمل معنى ممكن! الرغبة في دفع العالم في اتجاه معين؛ لتغيير أفكار الآخرين حول نوع المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي نحوه. مرة أخرى، لايوجد كتاب يخلو من التحيز السياسي، “الرأي القائل أن الفن ينبغى ألا يربطه شيء بالسياسة هو بحد ذاته موقف سياسي”.