الفلسفة بوصفها نشاطًا يمارسه البشر أجمعون
في كتابه (الفلسفة أنواعها ومشكلاتها)، والذي ترجمه د. (فؤاد زكريا) إلى اللغة العربية، تطرّق (هنتر ميد) في حديثه عن الفلسفة إلى كون الفلسفة نشاط يشترك فيه البشر أجمعين، سواء كانت تلك المشاركة عن وعي أو بدون وعي. يقول:
قد يختلف الأفراد في درجة المعقولية التي يبحثون عنها وسط التجارب اليومية المختلطة، ولكن لابد لكل منا ، لكي يجد الحياة محتملة، من أن يكشف نظامًا وأحكامًا ما في المادة الخام التي تتدفق إلى وعينا ساعة بعد ساعة أثناء مضي حياتنا . فكلنا – حتى أقلنا ثقافة أو أكثرنا سذاجة- نقوم بالضرورة بجهد لا ينقطع من أجل الاهتداء إلى معنى من وراء الافتقار الظاهر إلى المعنى، ومن أجل كشف وحدة تحت التنوع السطحي، ومن أجل فرض قدر معين من النظام على الفوضى البادية لتجربتنا الشخصية. وهذا الهدف الأخير هو أهم هذه الأهداف جميعًا. وربما كان قدر كبير من هذه الجهود غير واعٍ أو غير واضح المعالم، غير أنه لا مفر لنا من بذلها. فبغض النظر عن عمرنا أو مهنتنا، تعليمنا، أو المدينة التي نعيش فيها، فإن هذا الجهد يمثل الحد الأدنى من النشاط العقلي على المستوى الإنساني للوجود .
وهذا بعينه هو ما يفعله الفيلسوف بدوره. فإذا كانت الفلسفة – كما يعتقد الكثيرون – تمثل الحد الأقصى من النشاط العقلي، فمن الواجب أن نستنتج أن الحد الأدنى الذي لا مفر منه، وكذلك الحد الأقصى للفكر البشري يتعلقان معًا بمهنة واحدة هي كشف النظام والمعنى في تجربتنا التي تنساب من لحظة إلى أخرى. أما الفارق الأساسي بين هذين المستويين العقليين، فالفيلسوف يزاول عن وعي نشاطًا يشغل وقته بأكمله، في حين أن معظم الأذهان تزاول عن غير وعي نشاطًا متقطعًا. غير أنهما معًا يسيران في طريق واحد. ومن الطبيعي أن يقطع المسافر المتفرغ للسفر شوطًا أبعد، ويرى خلال الطريق أمورًا أكثر بكثير، ولكن لا مفر للاثنين معًا من أن يكونا رفيقي طريق. وسواء شئنا أم أم لم نشأ، فلا بد لنا جميعا، بوصفنا بشرًا، من أن نسير على نفس الدرب. أما إلى أي مدى نذهب، وما مقدار ما نهتدي إليه أثناء سيرنا، فهذا أمر يتوقف على ذكائنا، ومزاجنا، وتعليمنا، ومع ذلك، فليس لنا مفر من القيام برحلة ما.