الأخلاق لدى علي عزت بيجوڤيتش
يوجد ملحدون على أخلاق .. لكن لايوجد إلحاد أخلاقي
بهذه العبارة يستفتح (علي عزّت) فصل الأخلاق من كتاب الاسلام بين الشرق والغرب، وبها نستهلّ بعرض مقتطفات من ذلك الفصل.
علي عزت بيجوفتش (1925-2003) أول رئيس جمهوري لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك، هو ناشط سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي، مؤلف لعدة كتب أهمها (الاسلام بين الشرق والغرب).
في بداية فصل الأخلاق يتحدّث ويؤكد على فكرة العالم الأخروي ، كي نجعل تضحية البطل انتصارًا ، فإذا لم يكن منتصرًا في العالم الأخروي فأين يكون منتصرا ؟
ثم بعد ذلك يتحدّث عن التدريب والتنشئة فيقول :
لاتوجد تدريبات أو قوانين ولاتأثيرات خارجية يمكن بها إصلاح الإنسان ، فلايمكن تدريب الإنسان كما يتدرّب الحيوان . ولذلك فإن كل تنشئة حقيقية ، هي في جوهرها تنشئة ذاتية وهي مناقضة للتدريب . إن التدريب حتى ولو كان يفرض السلوك الصحيح هو في أساسه لا أخلاقي ولا إنساني ، فهدف التنشئة الصحيحة ليس تغيير الانسان تغييرًا مباشرًا ، حيث أن هذا غير ممكن ، وإنما هي تحفّز فيه قوى جوانيّة لتحدث قرارا لصالح الخير عن طريق المثل الصالح والنصيحة والمشاهدة وغيرها .
وفي فقرة “الأخلاق والعقل” بيّن بعض النظريات الأخلاقية ، والتي تنهي جدلها المنطقي المعقّد بنتائج متناقضة ، كقول فولتير ( تضحية الإنسان بنفسه بوازع من مصلحته الذاتية )!
“إن العلم لا يعلّم الناس كيف يحيون ، ولا من شأنه أن يقدم لنا معايير قيمية ؛ لأن القيم التي تسمو بالحياة الحيوانية إلى مستوى الحياة الإنسانية ، تبقى مجهولة وغير مفهومة بدون الدين ، فالدين
مدخل إلى عالم آخر متفوّق على هذا العالم ، والأخلاق هي معناه.”
الأخلاق دائما مبدأ تقييد أو تحريم يناقض الغريزة الحيوانية في طبيعة الإنسان ، ليست الأخلاق كما عرّفها الرواقيّون: (الحياة في انسجام مع الطبيعة) ، بل صوت الطبيعة هو ما قاله نيتشه :
(تخلّص من الضمير ومن الشفقة والرحمة … تلك المشاعر التي تطغى على حياة الإنسان الباطنية .. اقهر الضعفاء واصعد فوق جثثهم)!
يمكن إقامة أخلاقيات المنفعة على أساس من العقل ولو على المستوى النظري , ولكن من المستحيل أن نقيم على العقل وفي غيبة الألوهية ، أخلاقيات غيرية لا أنانيّة ، أو أخلاقيات تقوم على التضحية كما ينبغي أن تكون الأخلاق .
نحن لا نعرف حالة واحدة خلال التاريخ الإنساني لمجتمع لاديني خالص ، ولا دولًا تربّت فيها أجيال بعد أجيال على نبذ الدين أو كراهية الدين ، لتعطينا إجابة مؤكدة على سؤال :
ما إذا كان هناك أخلاق بلا دين ، أو ما إذا كان ممكنا وجود ثقافة إلحادية ومجتمع ملحد؟
لقد غربت الشمس حقا ، ولكن الدفء الذي يشعّ في جوف الليل مصدره شمس النهار السابق ، إن الأخلاق دين مضى ، ولا سبيل لإقامة تعليم تام الإلحاد للإجيال ، إلا بخلق الشروط النفسية الملائمة ، وذلك من خلال التدمير الكامل والقضاء على جميع المواريث الروحية على مدى العصور ، لقد عاش الجنس البشري آلاف السنين تحت تأثير الأديان .
إن الجيل الراهن الذي هو لاديني اسميًّا ، بل حتى الملحدين من هذا الجيل لم ينشأوا على جهل بالدين وإنما على الأرجح في عداء له ، فهم وإن لم يقبلوا مبادئ المسيح في الحب والإخاء والمساواة باسم الله ، إلا أنهم لم يرفضوا هذه المبادئ أصلا ، وإنما بنوع من الوهم الغريب احتفظوا بهذه المبادئ باسم العلم .
عندما حاول الماديون بناء نظام أخلاقي ، اقترحوا اللجوء إلى ضمير الإنسان ، بدلا من الخوف من الله كحافز على استقامة السلوك ، فهل الضمير والوعي يعدّ بعض أجزاء هذا العالم الواقعي ؟ أليس الإيمان بالإنسان بدلا من الإيمان بالله هو شكل من أشكال الدين ولكنه أقل بدرجة ؟إن لجوء الماديين إلى الإنسان بدلا من الرجوع إلى الله يبدو غريبا في ضوء ما أكّده ماركس نفسه عندما قال : (إن الأمل في الإنسانية المجرّدة للإنسان وهْم لايقل عن الوهْم الديني الخالص) .
بغضّ النظر عن كل ماسبق ، يبقى أن السؤال الحقيقي هو :
هل باستطاعة الملحد أن يعظ باسم الأخلاق أو الإنسانية ، ويبقى على ما هو عليه في حدود مذهبه المادي ؟؟
ونختتم بإحدى إشراقاته:
“من الممكن أن نتصوّر رجل دين لا أخلاق له ، وبالعكس . لكن القرآن يذكر كثيرا الإيمان مع العمل الصالح ، بل في الآية التالية يوجّه نظرنا إلى أن الممارسة الأخلاقية قد تكون حافزا قويًّا على التدين (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) معنى الآية يقول : افعل الخير تصبح مؤمنا ، وفي هذه النقطة نرى إجابة على سؤال : كيف يمكن للإنسان أن يقوّي إيمانه ؟ والإجابة هي : إفعل الخير تجد الله أمامك.”