الآمال واليوتوبيات برأي ساراماغو
جوزيه ساراماغو (1922 – 2010) روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب وكاتب أدبي و مسرحي وصحفي. مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تتمركز حول العنصر الإنساني. نال جائزة نوبل للآداب في عام 1998.
نشر (ساراماغو) في كتابه (المفكرة) مقالة يتحدث فيها عن الآمال واليوتوبيا، أو المدينة الفاضلة التي يطمح إليها الناس، والفلاسفة خاصة عندما يقومون بتشكيلها فلسفيًا، نقوم بنشرها هنا في ذكرى ميلاده الثالثة والتسعين. يقول (ساراماغو) في مقالته:
لقد كتب الكثير، وقيل أكثر منه بكثير، حول فضائل الأمل. كانت اليوتوبيات دومًا وستكون الفردوس كما حلم به المتشككون. مع ذلك فليس المتشككون بل المؤمنون المتحمسون أيضًا. صنف القداس والعشاء الرباني من المؤمنين الذي يتطلعون إلى السماء، ولا زالوا يسألون يد الله الرحيمة أن تظلل رؤوسهم، أن تحميهم من المطر أو الحر، وأن يسلم في هذه الحياة قسمًا صغيرًا على الأقل من الثوابت التي وعد بها في الحياة الآخرة. وهذا هو السبب في أن أي شخص غير راضٍ بما انتهى إليه نصيبه في التوزيع غير المتكافئ لموجودات الكوكب، وخصوصًا الموجودات المادية، إنما يتمسك بالأمل في أنه لن يكون دائمًا الشيطان الموجود عند الباب وأنه في ذاك اليوم – عاجلًا أم آجلًا – ستكون الثروة التي تدخل من خلال النافذة. إن شخصًا ما قد خسر كل شيء، لكنه كان محظوظًا بما يكفي لأن يستبقي على الأقل حياته التعيسة، يعتبر أنه يدين بحقه الأكثر إنسانية في أنه لن يكون غدًا بنفس تعاسة اليوم. مفترضًا، بالطبع، أن ثمة عدالة في العالم.
ثم يقول بعد ذلك متابعًا حديثه:
حسنًا، إذا وجد في هذا المكان وفي هذه الأوقات شيء يستحق اسم “عدالة“، ليس سراب تراث قديم قادر على خداع عيوننا وعقولنا، بل واقع يمكننا أن نلمسه بأيدينا، فمن الواضح أنه لن يكون علينا أن نحمل الأمل حولنا معنا كل نستمده إلينا، أو يحملنا مستمهدين. العدالة البسيطة (ليست عدالة قاعات المحاكم، بل عدالة ذاك الاحترام الأساسي الذي يجب أن يسود العلاقات بين الكائنات البشرية) ستكون مسؤولية عن وضع الأشياء في أمكنتها الصحيحة. في الماضي، كان الفقير، الذي يطلب صدقة يُرفض طلبه بالكلمات المنافقة “تحل بالصبر“. لا أعتقد أن نصح شخص بأن يتحلى بالأمل كله مختلف عن نصحه بأن يتحلى بالصبر. من الشائع أن نسمع السياسيين منتخبين حديثًا يقولون أن نفاذ الصبر مضاد للثورة. ربما يكون كذلك، لكنني أميل إلى الرأي القائل، على العكس، بأن ثورات كثيرة قد خسرت من خلال نفاذ الصبر. لقد حان الوقت لأن يجعل نفاذ الصبر نفسه محسوسًا في العالم، أن يلقن شيئًا أو شيئين لأولئك الذين يفضّلون أن نتغذى على الآمال، أو على أحلام اليوتوبيا.