فقه الحياة

ساراماغو يكتب نصائحه لمستقبل إنساني أفضل

saramago٥

جوزيه ساراماغو (١٩٢٢م – ٢٠١٠م) روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب وكاتب أدبي و مسرحي وصحفي. مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تتمركز حول العنصر الإنساني. نال جائزة نوبل للآداب في عام ١٩٩٨م.

نشر (ساراماغو) في كتابه (المفكرة) مقالة يتحدث فيها عن بعض الوصايا الحياتية، من وجهة نظره الشخصية، وكيف يجب أن نتعامل مع هذا العالم المليء بالمآسي، وعن المستقبل. يقول مبتدئًا مقالته:

منذ أيام قليلة قرأت مقالة كتبها (نيكولاس ريدوكس) مؤلف (الأقل يساوي أكثر: مدخل إلى فلسفة الانحطاط). لقد جعلتني أتذكر كيف شاركت منذ بعض السنوات، عشية الألفية التي نعيش فيها الآن، في اجتماع في (أوفييدو) حيث كان بعض الكتّاب يقترحون أن نصوغ الأهداف والغايات لأجل الألفية الجديدة. كان يبدو لي طموحًا نوعًا ما أن أناقش ارتجالًا  ألفية بكاملها، أتذكر أنني تقدّمت باقتراحات محددة، فتشت سواقة القرص الصلب في حاسوبي، وقررت أن أستعيد بعضًا مما كتبت في ذاك اليوم، في وقت يبدو فيه الآن أكثر صلة بالموضوع من ذي قبل.

بخصوص رؤى المستقبل، أرى أنه كان من الأفضل ألا نشغل أنفسنا بأكثر من الغد، عندما، نثق، يمكن أن يمكن أن نبقى أحياء. في الواقع، لنتخيل أنه في عام بعيد مثل 999، في جزء أو آخر من أوروبا، كان القليل من الحكماء وكثير من اللاهوتيين في ذاك الوقت قد صمموا على التكهن بما سيكون عليه العالم بعدئذ بألف عام، فأنا متأكد من أنهم كانوا سيخطئون في كل شيء. مع ذلك ثمة مسألة واحدة كان من الممكن أن يكونوا مصيبين فيها تقريبًا ؛ أنه سيكون ثمة اختلاف طفيف بين الكائن البشري المشوش اليوم، الذي لا يعرف ولا يهتم بالاستفهام إلى أين هو ذاهب، والأشخاص المرعوبين في القرون المنصرمة، الذين كانوا يؤمنون بأن نهاية العالم هي وشيكة. بالمقارنة، أعتقد أنه كان بإمكاننا أن نتنبأ جيدًا بعدد أكبر بكثير من كل أصناف الاختلافات بين نوع البشر. نحن اليوم، وأولئك الذين سيأتون، ربما ليس حتى في ألف بل في مئة فقط من السنين. بعبارة أخرى، قد نشترك مع الذين سيعيشون عليه بعد مئة من الآن .. والعالم الآن هو حقًا على وشك أن ينتهي، في حين كان منذ ألف عام لا يزال مزدهرًا.

ثم يتابع مقالته فيقول:

بخصوص موضوع ما إذا كان العالم ينتهي أم لا، ما إذا كانت الشمس ستشرق غدًا أم لا، لماذا لا نعوّد أنفسنا على تأمل الغد، اليوم الذي نعرف فيه أننا سنكون محظوظين بكوننا أحياء؟ بدلًا من الاقترحات الكثيرة الطموحة بلا مبرر من أجل وحول الألفية الثالثة، التي هي ذاتها ستختصر على نحو أكثر من محتمل كل هذه التوصيات إلى غبار، لماذا يتعين علينا ألا نقرر التقدم بأفكار بسيطة قليلة، بالتوازي مع عدد المشاريع الممكن فهمها للناس الأكثر ذكاء بشكل معقول؟

ثم يبدأ اقتراحاته للحياة، فيقول:

إذا لم يكن ثمة اقتراحات أفضل، فأود أن أبدأ باقتراح أن نقوم بالتالي:

١. أن نسمح للتطور ليس من الأمام بل من الخلف، ما يعني تلك الجماهير المتنامية من السكان الذين خلفتهم النماذج الحالية للتطور، التي ينبغي الآن أن تصبح الخط الأمامي،

٢. أن نخلق إحساسًا جديدًا بالواجب الإنساني، يجعله متبادل الاعتماد كليًا مع ممارسة حقوق الإنسان،

٣. أن نعيش ببساطة، مثل الهائمين بحثًا عن الطعام، بفرض أن الإرث أو المنتجات، والسلع وثمار الكوكب ليست غير قابلة للنضوب،

٤. أن نحل التناقض بين الجزم بأننا جميعًا قريبين بشكل متزامن مع بعضنا البعض، والدليل على أننا نشعر يوميًا بأننا أكثر فأكثر عزلة،

٥. أن نقلص الفرق بين الذين يعرفون كثيرًا والذين يعرفون قليلًا، الذين يتزايد حاليًا من يوم إلى يوم.

أظن أن غدنا سيعتمد على الأجوبة التي نقدمها على هذه الأسئلة، ومعظم أيامنا بعد الغد. على مدى القرن القادم كله ناهيك عن الألفية الثالثة.

لذلك، دعونا نعود إلى الفلسفة.

أحمد بادغيش

مدوّن، مهتم بالأدب والفلسفة والفنون.
زر الذهاب إلى الأعلى