إلى الكُتّاب الذين جعلوني أبكي
توبا ساجد، هي صحفية وكاتبة شابة، مهتمة بالشؤون السياسية والاجتماعية، والقضايا الدولية.
وقد نشرت في موقع (rebellesociety) رسالة “إلى الكتّاب الذين جعلوني أبكي“، نترجمها إليكم بشكل حصري. تقول في مقالتها:
بما كنتم تفكرون عندما أستخدمتم الكلمات مثل الإسمنت والجمل مثل الطوب لبناء الطريق الذي غادر بنا نحو فكر جديد، شعور متجدد، وعالم حي لم نكن نعتقد أنه موجود؟
بما كنتم تفكرون عندما صنعتم بأيديكم وأرواحكم شيئَا يستطيع أختراقنا، شيئًا كنّا نريد أن نحتفظ به في أيدينا إلى الأبد، ونرغب تدميره في نفس الوقت؟
ما زلت أتساءل أيها الكاتب ما الذي كان يمر عبر ذهنك؟
هل كنت تكتب لتتذّكر – أم لتنسى؟
هل تكتب للشفاء، أم للمرض؟
هل تكتب لتُعّلم، أم لتتعلم؟
هل تكتب للإلهام – أم للدمار؟
هل تكتب لك، أم لي؟
ما زلت أتساءل لأنك جعلتني أبكي. في كل وقتٍ يمر، وسيمر؟
ولكن يبدو أنك قد بكيت قبلي بكثير.
أعرف تلك الكلمات التي أثرّت بي لأنها أثرّت بك من قبل.
أعرف ما كتبته؛ كتبت الذي جعلك تنتفض، وهو بدوره ما جعلني أنتفض بعدك.
كتبت ما يبقيك مستيقظاً في الليل، متقلباً ومهتاج. كتبت عن تلك الأجزاء الساخنة من ذاتك، تلك التي كنت مرعوب بشكل فاضح بمجرد التفكير فيها. تلك الأجزاء التي سيعني كتابتها الأعتراف بها، وبأنها وجدت فعلاً، أنها موجودة هناك، وأنها حقيقة.
كتبت عن تلك الحقائق التي أذهلتك، تلك الأفكار التي أربكتك، كتبت عن تلك المشاعر التي كنت لا تعرف هل كنت قادراً على تحمل مأساة الشعور بها أم لا؟
كتبت عن الذي دمَّر ذهنك، وجعل نصل دواخلك الداخلية مضرمة ومغلية بالغضب. كتبت عن ذلك اليوم عندما سينتهي عالمك الخاص وستشعر بالوحدة –وحدة خاصة لك وحدك– كتبت عن تلك الدمعة المُسيلة للسعادة، تلك الدمعة التي كنت تريد القبض عليها لأنك قد لا تراها أبداً مرةً أخرى.
أعرف أنك لتكتب كل ذلك، كان عليك أن تواجه نفسك – وهذا بحد ذاته مخيف. أن تواجه مخاوفك، وخبراتك الشخصية المرّوعة وجميع الكلمات التي تجعلك من أنت.
(إرنست همنغواي) قال ذات مرة: “لا يوجد شيء للكتابة. كل ما عليك فعله هو الجلوس على الآلة الكاتبة وتنزف”.
نعم، كان على حق.
حتى الآن هناك المزيد والمزيد لينزف.
النزيف هو الألم وكل كلمة هي شفرة لامعة. شفرات حادة تمتص اللون الأحمر كلما تسرب خارجك. وحين تبدأ تلك الشفرات بخلق شيء داخلك يشبه شفاء الندوب –نعم الشفاء– ولكن هناك .. هنالك خلف كل ذلك التعافي؛ تكمن الجرأة والشجاعة التي كانت وراء كل ذلك الجرح. ولأنه من أجل أن تنزف، كان يجب أن تشعر. يجب أن تفتح جُرحك حتى تتمكن من علاجه.
وإذا كنت قد جرحتني بقراءتك، فأنت قد جرحت نفسك قبلي بالكتابة.
وهذا عزائي الوحيد.
وأشكرك على هذا.
لأنه عندما قرأت كلماتك، شعرتُ بما كنتَ تشعر به.
قل لي: هل كان يتدفق الألم عبر عروق أصابعك قبل أن تستعد للكتابة بها؟
أخبرني عن ألآمك أيها الكاتب: هل كانت تسمّم روحك – أم تغذيها؟
هل ترمدّها– أم تجعل لها لوناً؟
هل تستعبدها – أم تحررها؟
هل كانت تخلق شيءً جميل- أم شيئاً فضيع؟
أم هو نفس الأمر؟
الكلمات -كلماتك أنت- جعلتني أبكي، نعم. ولكنه ثمن قليل جداً ذاك الذي دفعته أمام ما حصلت عليه في المقابل منك. كلماتك أيها الكاتب أعطتني القوة للبحث، للتوقف عن الاستقرار، للمسائلة – وللعيش.
وفي يومٍ ما، عندما سألتقط القلم للبوح، حينها سأجد أجوبتي العميقة. سأشعر بشفرات الفضة الحادة والخاصة بي. سأنزف .. وسأشفى!
أشكرك لإعطائي كلماتك، لأنها سمحت لي بخلق روحي.
شكراً لإعطائي فراغك الآمن بين صفحاتك للبكاء.
شكراً لك، لأنني أعلم أنك قد فعلتها قبلي .. وبكيت!