في أهمية التفكير المرن واللياقة الذهنية، جواهر من تجربة عبد الله السعدون
لكن ليس للإعاقة الفكرية دلائل ظاهرة، لكنها واضحة في: "شحّ نتاج كل أمّة، في انكفائها على نفسها واقتناعها بما لديها، تجترّ ما أنتج الأولون وتستخدم ما صنع الآخرون"
اللواء و الطيّار عبدالله السعدون مؤلف سعودي، عين عضوًا في مجلس الشورى من عام ٢٠٠٩م، ويكتب في صحيفة الرياض. كتب في سيرته الذاتية (عشت سعيدًا من الدراجة إلى الطائرة) رحلة حياته الناجحة التي خاضت حقبة زمنية شهدت فيها المملكة العربية السعودية تغيرات كبيرة، يقدم فيها رسالة تناقش أمراض المجتمع ومعيقات التقدم، وتشرح أسباب السعادة والصحة في عالم امتلأ بالجهل والأوهام والأمراض.
كما يقول:
من السهولة أن يختبر الإنسان لياقته البدنيّة بأكثر من طريقة.
لكن ماذا عن اللياقة الذهنيّة؟ ماذا عن هذا المتصرّف بكل شؤون الحياة؟ هذا القابع في الرأس.
تركناه فركن إلى الدّعة، برمجناه فأسأنا البرمجة، أعطيناه الأجوبة وأعفيناه من طرح الأسئلة. عندما يفكر الآخرون نيابةً عنّا و يقرأون نيابةً عنّا يرتاح العقل لهذه الطريقة وينام قرير العين، ولا يُلام إذا أمعن في سباته.
كما عزف الناس عن صعود الجبال واكتفوا بالسفح، عزفوا عن إعمال الفكر وزيادة لياقته وتحسين عمله. لضعف اللياقة البدنية دلائل صحيّة و بدنية واضحة، لكن ليس للإعاقة الفكرية دلائل ظاهرة، لكنها واضحة في: “شحّ نتاج كل أمّة، في انكفائها على نفسها واقتناعها بما لديها، تجترّ ما أنتج الأولون وتستخدم ما صنع الآخرون”
وأكمل قائلاً:
“لنلحق بالركب علينا أن نملك أدواته، عقول متفتحة، ونهم للمعرفة، وبناء للعقول و العواطف والأجسام”
ويحكي أيضًا عن اجتماع له مع المدرّسين (مدنيين وضباط) وحدّثهم فيه عن أهمية تزويد الطلبة بأساليب التفكير المرن وأدب الحوار حيث قال:
التفكير المرن من أهم شروط التفكير العلمي الذي كان من أهم أسباب الإنجازات البشرية، والمكتشفات الكثيرة.
علينا أن نعلمه للطلبة لأنه سلوك مكتسب، كان من الواجب أن يتعلموه في مراحل تعليمية سابقة. التفكير المرن أي “ما يزخر به العلم من حقائق وقواعد ليست مطلقة، وأن البحث مستمر عن كل جديد”.
أما المرونة فتعني: “نبذ الغلو والتطرف ومعرفة خطرهما على الأمة بل على العالم أجمع، علينا أن نقبل الآخر ونتعايش معه، وأن ننبذ العنف والتسلط والتهديد”.
وعن الفكر المرن فهو: “الاجتهاد الذي هو واحد من مصادر التشريع وضرورة لكل عصر، فالحياة بنيت على الحركة والتغيير المستمر وليس الجمود، والاجتهاد واحدٌ من أسرار بقاء الدين صالحاً لكل زمان”.
وذكر أعظم هدية يمكنك تقديمها لطالب اليوم ألا وهي:
تعليمه مرونة التفكير التي تساعده على استنباط الحلول وتحميه من بعض الأفكار وبعض الممارسات الخاطئة في الحياة.
الحوار يفتح بيننا وبين الآخرين نوافذًا وأبوابًا، ويقول لنا: إن الطريق يتّسع لأكثر من مركبة، يعني أننا نزرع مصدّات من الحب والتعاون، ضد عواصف الكره والغلوّ، أن نحاور لايعني تغيير ما نؤمن به، لكن يعني سماع وجهة نظر الآخرين، الحوار يعني أن المجتمع يتمتّع بالصحة الفكرية ولديه مناعة ضد كثير من الأمراض، أسوأ أعداء الحوار الإكراه الفكريّ ونعت المخالف بأنه صاحب نيات سيئة.
ويرى بأن الرأي المخالف:
“كجداول تصريف المياه والقنوات التي تمنع السدود من الانهيار”، لولا اختلاف الآراء لأصبح الناس نسخًا مكررة يتزاحمون على نفس الطريق ونفس الهدف والاتجاه، لولا اختلاف الآراء لأصبح الناس صورًا مكررة ولتوقفت العقول عن الإنتاج.
لله حكمة لا نحيط بها من هذا الاختلاف في الدين واللغة والشكل والطبائع والأذواق. سيبقى الاختلاف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ يقول تعالى: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدة ولا يزالون مختلفين”.
بقلم: هاجر العبيد
مراجعة وتحرير: أحمد بادغيش