إعادة القراءة كولادةٍ جديدة، عند سونتاغ
سوزان سونتاغ (1933 – 2004) ناقدة ومخرجة وروائية أميركية.
في مقالة مترجمة حصريًا لدى ساقية، تتحدث (سونتاغ) عن القراءة، فتستفتح قائلة:
مهلًا.! لا أستطيع التفكير بهذه السرعة! بل حتى أنني لا أستطيع أن أكبر بهذه السُّرعة!
تبتدئ (ماريا پوپوڤا) كاتب المقالة، بأن تقول:
حين كتبتُ مؤخرًا عن إجابة عالم الفيزياء الفلكي (نيل تايسون) عندما سُئل عن «الكتاب الذي يجب على كل ذكي قراءته» شعرت بالأسف لشبه الانعدام التام لأصوات النساء في الاقتراحات التي قدمها والشُّح العام في الرموز الثقافية النسائية في قوائم القراءة العامة في مجتمعنا. وأشرتُ يومها إلى أن (سوزان سونتاغ) استثناء وحيد، فمذكراتها التي نُشرت تُعد بمثابة عنصر جوهري لقائمة قراءة لمدى الحياة. لكن بالإضافة لكونها أحد أكثر القرّاء نهمًا في القرن العشرين إذ كانت تقضي بحسب تقديرها ما يقارب من ثمان ساعاتٍ إلى عشر في القراءة، كانت من أشد المؤيدين والممارسين لأحد الفنون الممتعة والمنسية: إعادة القراءة!
«يا مخلفات اليوم البغيضة، اسمحي لي بالإشارةإلى أنني لا يجب أن أتهاون مع نفسي ولن أتنازل عن قادم أيامي». على هذا الأمر عزمت (سوزان) البالغة من العمر خمس عشرة عامًا في كتابها (ميلادٌ جديد: مذكراتٌ ودفاتر.)
هذه المجموعة الرائعة من المذكرات التي قدمت لنا اليافعة (سوزان) التي تحدثت عن الفن والزواج والأشخاص الأربعة الذي يجب أن يغدوا كتّابًا إلى جانب واجباتها في أن تصبح عشرين شيئًا. وبعد أسبوع من السخط على «المخلفات المقززة» في ذلك اليوم الذي تظاهرت فيه باستمتاعها بفيلم صاخب مُشبع بالألوان، التفتت (سوزان) إلى مذكرات (أندريه جايد) تنشد الخلاص وتُمجد ثمار إعادة القراءة.
كتبت (سوزان) في إحدى ملحوظاتها في سبتمبر من عام 1948:
أنهيت قراءة هذا الكتاب في الثانية والنصف من ليلة ذات اليوم الذي ابتعته فيه، كان علي قراءته بسرعةٍ أقل مما فعلت، كما يجب أن أُعيد قراءته غير مرة. لقد بلغت و(جايد) حدًا مثاليًا من التواصل الفكري، حتى أنني شعرت بآلام المخاض الذي خبُره أثناء ولادة كل بُنيّةٍ من بناتِ أفكاره. لكن مهلًا.! لا أستطيع التفكير بهذه السرعة! بل حتى أنني لا أستطيع أن أكبر بهذه السُّرعة!
ذلك أنني لست أقرأ هذا الكتاب وحسب، بل أجدني أقوم بصناعته وخلقه بنفسي. إن هذه التجربة الأخّاذة والمختلفة طهّرت عقلي من غيابات الحيرة والاضطراب والعُقم التي كانت سببًا في انسداده طيلة هذه الأشهر المنصرمة البائسة..
وبعد أشهر قليلة، كتبت عن حماس إعادة القراءة:
لقد تأثرت كثيرًا بغوته وإن كنت أعتقد أنني لا زلت بعيدةً عن فهمه -مع أن مسرحية (دكتور فاوست) لـ(كريستوفر مارلو) كانت كالمنجم إذ أمضيت وقتًا جزيلًا في التنقيب داخله، فضلًا عن إعادة قراءتها مراتٍ عدة والتغنّي بالعديد من فقراتها بصوتٍ عالٍ مرةً تلو الأخرى. إن مناجاة (فاستوس) التي قرأتها ما يربو على مئة مرة كانت رائعةً ولا تُضاهى..
في مكانٍ ما، في أحد المذكرات القديمة، اعترفت بخيبة أملي تجاه رواية (دكتور فاوستوس) لـ(توماس مان):
لقد كان هذا الأمر دليلًا جليًّا على نوعية حِسي النقدي الفطيرة. إن هذا العمل عظيمٌ ومُرضٍ ولذلك يتوجب علي قراءته عدة مراتٍ قبل أن أتمكن من امتلاكه..
إنني أُعيد قراءة ما يعجبني من الكتابات والتي لطالما كنت أحسبها مهمةً بالنسبة إلي، وأنا مندهشةٌ بكل تلك التقييمات التي أملكها..
وأضافت (سوزان) بحماسٍ ملحوظةً في مدح القراءة بصوتٍ عالٍ:
من الرائع أن تقرأ بصوتٍ مرتفع..!
[المصدر]