قمة الأخلاق كما يراها ابن القيم
الإمام ابن القيم شرح في كتابه “مدارج السالكين” الكثير من المفاهيم الأخلاقية والتعبدية السامية التي لايمكن أن نستغني عنها في هذا العصر الذي يقدس المادة. فبعد أن كتبنا عن رؤية ابن القيم للتواضع الحقيقي وعن سر اكتساب مكارم الأخلاق، يكتب هذه المرة عما يسميه بالفتوة. والتي يمكن فهمها بلغتنا المعاصرة كقمة الهرم الأخلاقية، حيث يقول
إن قلب (الفتوة) وإنسان عينها، أن تفنى بشهادة نقصك، وعيبك على فضلك، وتغيب بشهادة حقوق الخلق عليك عن شهادة حقوقك عليهم. والناس في هذا مراتب، فأشرفها هم أهل هذه المرتبة، وأخسها عكسهم، وهم أهل الفناء في شهود فضائلهم عن عيوبهم، وشهود حقوقهم على الناس عن شهود حقوق الناس عليهم.
ومن مظاهر (الفتوة) ترك الخصومة، والتغافل عن الزلة، ونسيان الأذية. ونسيان الأذية فهو بأن تنسى أذية من نالك بأذى، ليصفو قلبك له، ولا تستوحش منه. وهناك نسيان من نوع آخر، وهو نسيان إحسانك إلى من أحسنت إليه، حتى لكأنه لم يصدر منك، وهذا النسيان أكمل من الأول.
ثم إن من مظاهر هذه الفتوة (أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجني عليك، سماحة لا كظما، ومودة لا مصابرة) بأن يكون الإحسان والإساءة بينك وبينه خطين، فخطتك الإحسان، وخطته الإساءة. ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي، فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس، يجدها هذه بعينها. ولم يكن كمال هذه الدرجة لأحد سواه. ثم إن للورثة منها بحسب سهامهم من التركة..