“علاقتنا التاريخية مع العالم الإسلامي هي السبب في رغبتنا لربط معكم صلات الأخوة والصداقة والمحبة”، عمدة قرطبة، الخليفة الأحمر والجمهورية
إنه خوليو أنغيتا، ابن قرية فوينخيرولا (“سهيل” سابقا) القريبة من مالقة في منطقة الأندلس، معلم التاريخ للصبيان(في مدرسة تحمل اسم بلاس إنفانتي) ومُعلي كلمة الشيوعيين ورافع رايتهم بين 1988 – 2000 وكان من أتباع الزعيم التاريخي سانتياغو كاريو خلال وبعد فترة العمل السري أيام ديكتاتورية فرانكو.
في المرحلة الانتقالية تزعم الشيوعيين واكتسح أصوات الصناديق ونال رضا الناخبين القرطبيين، واستمر في منصب عمدة قرطبة بين 1979 – 1986 وحصل بذلك على لقب الخليفة الأحمر El ‘califa rojo’.
يقضي قيلولة المساء (لاسييستا) على الأرض فوق فراش من جلد خروف كأي ”مورو” آخر، حسب تعبيره، وهو لقب المسلم المغاربي عند الإسبان، هذه الروح الأندلسية جعلته يعرض سنة 1981، على صديقه علي الكتاني، وهو مؤرخ مهتم بالأقليات المسلمة، أن يتخذ من دير سانتا كلارا مقرا لجمعيته الإسلامية، وهو مبنى تاريخي مغلق منذ مئة عام يعود للراهبات وقريب من جامع قرطبة بحوالي 800 متر.
وجاء في أحد الرسائل التي بعثها أنغيتا لعلي الكتاني والذي كان متواجدا بالظهران بالمملكة السعودية:
“…علاقتنا التاريخية مع العالم الإسلامي هي السبب في رغبتنا لربط معكم صلات الأخوة والصداقة والمحبة…” – سبتمبر 1980
الأمر الذي أشعل معركة بين أنغيتا وأسقف قرطبة، وأججت الموضوع صحافة اليمين العسكرية المسيحية واتهمت أنغيتا بتسليم المدينة للمسلمين.
بعد المقاطعة الإعلامية والمتابعة القضائية الشهيرة التي تعرض لها الفيلسوف الفرنسي (روجيه غارودي)، شد الرحال إلى قرطبة وفتح له خوليو أنغيتا أبوابها على مصراعيها. يروي غارودي في سيرته الذاتية عن تواجده بمنطقة الأندلس:
«إن عمدة قرطبة، خوليو أنغيتا، كان من المؤمنين بمشروعي القائم على احياء هذا الماضي لإلقاء الضوء على المستقبل، وعرض علي أن نجعل من برج كالاهورا، وهي قلعة على حافة الوادي الكبير مركزا لمشروعنا»
والمشروع المقصود هو معهد للحوار بين الثقافات (مؤسسة روجيه غارودي) عبارة عن متحف سمعي بصري لإحياء ثقافة الأندلس والتركيز على فترات التعايش بين الثقافة المسيحية واليهودية والمسلمة.
خلال غزو العراق الأخير، الذي ساند فيه الرئيس الإسباني أثنار صديقه بوش وورط الدولة في الحرب، توفي أحد أبناء خوليو أنغيتا في بغداد والذي كان يعمل هناك كصحفي. وبعد الحادث وقف أنغيتا أمام جمهوره وصرح:
الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله هو أنني سوف آتي مرة أخرى وأواصل النضال من أجل الجمهورية الثالثة. وملعونة هي الحروب وملعونون هم الأوباش الذين يؤيدونها.
كي نفهم كلمات أنغيتا، إسبانيا حاليا هي مملكة دستورية، حيث انهارت الجمهورية الثانية بعد انقلاب فرانكو ، لذلك ليس غريبا أن تجد إلى اليوم من يحن إلى الجمهورية في الشارع الإسباني، لكن أي جمهورية يطالب بها أنغيتا؟ يتسائل اليمين المتطرف، هل هي جمهورية شعبية، أو جمهورية سوفيتية أم جمهورية إسلامية؟؟
رغم اعتزاله العمل السياسي إلا أنه استمر في إلقاء المحاضرات وتعبئة الشباب بخطابه الذي يتمتع بصدى كبير في إسبانيا خصوصا بين أتباعه وحتى بين خصومه، فكان آخر ما قام به إنشاء مجموعة بروميثيوس، وهو مختبر أفكار شيوعي، ما يلفت الانتباه هو اسم هذه المجموعة، بروميثيوس، أحد آلهة الأساطير اليونانية، الذي اشتهر بسرقة النار من الآلهة الكبار لإعطائها للإنسان ليستخدمها، فعاقبه زيوس على ذلك. كان روجيه غارودي مولعا بهذه الشخصية، بسبب جرأته لخدمة البشرية، بل ذكر الفيلسوف الفرنسي، في كتابه نحو حرب دينية (1995) فكرة إنشاء حزب بروميثيوس… هل كان لهذا تأثير على مجموعة خوليو أنغيتا ؟ …بعيدا عن الأساطير فأنغيتا هو من بين السياسيين القليلين الذين تنازلوا عن المعاش التقاعدي كونه نائب سابق في البرلمان واكتفى بمعاش معلم التاريخ للصبيان.
تحرير: (فتح الدين إلمورو) و(فهد الحازمي)