العلوم البشرية والاجتماعيةفقه الأخلاقفقه الحياة
ألبير كامو، وأحاديثه عن ثنائية الحب والموت
ألبير كامو (1913 – 1960) فيلسوف وجودي، وكاتب مسرحي، وروائي فرنسي. ونال جائزة نوبل للآداب بعام 1957 “على مجمل أعماله التي تسلط الضوء، بجدية ثاقبة، على كل المشكلات التي تُطرح في زمننا على ضمير البشر”. انتقينا لكم هنا من مذكراته أفكاره حول ثنائية الحب والموت، علنا بذلك نصل إلى صورة كاملة عن نظرته الفريدة. يقول (كامو) في بداية أحاديثه:
لو كان عليّ تأليف كتاب عن الأخلاق، لجعلته من ١٠٠ صفحة، ٩٩ منها بيضاء. وكتبت في الأخيرة: “لا أعرف سوى واجب واحد، ألا وهو الحب”. [١٩٣٧]
فحالة الحب، كما يقول، تساعد المرء على المضي في حياته ضد اليأس، والعالم العبثي برأيه:
يجب أن يكون لدى المرء حُب – حب كبير في حياته، لأنه ضد حالات اليأس غير المبرر التي تضنينا. [١٩٣٧]
فهذا العالم العبثي، ليس له أي حقيقة، وكل من يعتقد بأنه وصل إلى الحقيقة، فهو واهم:
بؤس هذا العالم وعظمته، في كونه لا يهب الحقائق أبدًا، وإنما الحب. فالعبثية تسود، والحب ينقذنا منها. [١٩٣٨]الغرور الفريد للإنسان الذي يود أن يقنعنا، ويقنع ذاته، في أنه يطمح إلى الحقيقة، بينما هو يطالب العالم بشيء من الحب والتقدير. [١٩٣٨]
ومن تلك النقطة ينطلق إلى ثنائية الحب والموت، فكلاهما ضروري لتعريف الآخر:
في لحظة ما، سنفقد الإحساس بمشاعر الحب. فلا يبقى إلا ما هو مأساوي. والعيش من أجل شخص ما، أو فكرة ما، يفقده معناه. فلا نجد من معنى إلا لفكرة الموت من أجل شيء ما. [١٩٤١]الموت هو ما يعطي للحب شكله مثلما يعطي للحياة شكلها، محوّلًا كل ذلك إلى قدر. فإذا ماتت المرأة التي تحبها فحبك لها سيبقى ثابتًا إلى الأبد، ولولا تلك النهاية لتلاشى. ولولا الموت لكانت الحياة سلسلة من الأشكال المتلاشية، والمبعثة هربًا وقلقًا. ولحسن الحظ، هناك ما هو ثابت، الموت. [١٩٤١]
ويصل بذلك إلى نقطة يلخص فيها نظرته بين المعرفة والحب:
الحب، والمعرفة، مترادفتان للمعنى ذاته. [١٩٤١]
ثم ينتقل إلى الأخلاق وعلاقتها بالحب، فيقول:
لا يمكن المحافظة على مشاعر الحب، إلا لأسباب خارجية. كالأخلاق مثلًا. [١٩٤٣]
فالأخلاق ضرورة للحفاظ على المشاعر. والحب هو الآخر ضرورة أخلاقية:
علينا أن نلتقي بالحب، قبل أن نلتقي بالأخلاق، وإلا تمزق الأخير. [١٩٤٩]
وفي النهاية، فالحب سبب رئيسي للحياة ومعناها، وللفن والإبداع أيضًا:
لا اكتمال من غير حب، أي التخلي عن الذات والموت في العالم، حتى النهاية. في حالة الذوبان في الحب، ستكون قوة الحب هي ما يبدع، ليس أنا. [١٩٥٠]من غير المنطقي في الحب، أن نرغب في تسريع أيامنا وتبديدها. وكأننا هكذا نرغب بالاقتراب من النهاية، ويلتقي بذلك الحب مع الموت. [١٩٥٠]
يقتبس بعد ذلك مقولة للفنان الشهير (فان كوخ):
يقول (فان كوخ): “إذا ما استمررنا في الحب بإخلاص، لكل ما هو جدير بالحب، ولم نهدر مشاعرنا على ما هو سخيف وتافه وغير ممتع، سنحيى -نتاجًا لذلك- في النور، ونصبح أكثر قوة”.
ويعقب قائلًا:
من لا يعطِ شيًئا، لا يحصل على شيئ. ليس الشقاء الأكبر ألا تكون محبوبًا، وإنما ألا تحب. [١٩٥٢]
فالحب عطاء، لا يتعلق بالآخر، وإنما بقدرتنا على الحب:
حب لا يحتمل مواجهة الواقع ليس حُبًا. وإذًا، فعدم القدرة على الحب هو امتياز خاص بالقلوب النبيلة. [١٩٣٩]لا أحد يستحق الحب، لا أحد على مستوى هذه الهبة غير المحدودة. [١٩٥٣]