هل يُعارض العقل العاطفة؟ راسل يتساءل
برتراند أرثر ويليام راسل (1872 – 1970) إيرل راسل الثالث، فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني. في كتابه (انتصار السعادة)، وبعدما سرد عدة مسببات للسعادة، ومثلها للتعاسة، بدأ في التساؤل الشهير، عمّا إذا كان العقل معارضًا للقلب، أو أن العقلانية تحارب العاطفة. يقول مجيبًا:
يوجد في كثير من الناس كراهية للعقلانية، وأينما وجدت هذه الكراهة فستبدو الأمور التي تحدثت عنها عديمة الصلة بالموضوع وعديمة الأهمية. هناك الاعتقاد بأنه إذا سُمح للعقلانية أن تعمل بحرية فستقتل العواطف العميقة كلها. هذا الاعتقاد يبدو لي راجعًا إلى التصور الخاطئ تمامًا لوظيفة العقل في الحياة الإنسانية، فدور العقل ليس هو إنتاج العواطف، رغم أن اكتشاف الطرق التي تمنع هذه العواطف من أن تكون عقبة في سبيل رفاهية الإنسان قد يعد جزءًا من وظيفته. فإيجاد الطرق الكفيلة بتقليص الحقد والحسد إلى حدهما الأدنى هو بلا شك جزء من وظيفة السيكلوجية العقلانية. ولكن من الخطأ افتراض أنه بتقليص هذه الأحاسيس فإن قوة العواطف التي لا يرفضها العقل ستقل هي الأخرى. ففي الحب الملتهب، وفي المشاعر الأبوية، وفي الصداقة، وفي الإحسان، وفي الولاء للعلم أو الفن عواطف لا يوجد بينها ما يرغب العقل في تقليصه. فالرجل الرشيد عندما يحس بأي من هذه العواطف سيكون سعيدًا لإحساسه بها، ولن يفعل ما يقلل من قوتها لأن كل هذه العواطف تعد من مكونات الحياة الطيّبة، تلك الحياة التي نسعى فيها لإسعاد النفس والآخرين. فلا يوجد ما هو غير عقلاني في العواطف بصفة عامة، فكثير من اللاعقلانيين يحسون بأكثر العواطف تفاهة. ولا يجب أن يخشى أية إنسان من أنه عندما يجعل نفسه عقلانيًا فإنه قد يجعل بذلك حياته كئيبة. فعلى العكس، فلأن العقلانية تتكون أساساً من الانسجام الداخلي، فالفرد الذي يصل إليها يكون أكثر حرية في تصوراته عن العالم، وفي استخدامه لطاقاته في الوصول إلى الأغراض الخارجية، عن الإنسان الذي تعوقه دائمًا الصراعات الداخلية. فلا شيء أكثر كآبة من أن يتحوصل الإنسان في ذاته، ولا شيء أكثر إبهاجًا من توجيه الاهتمامات والطاقة إلى الخارج.