في مديح الرتابة، يكتب بيسوا
أنطونيو فرناندو نوغيرا دي سيابرا بيسوا ( 1935- 1888) شاعر، وكاتب وناقد أدبي، ومترجم وفيلسوف برتغالي، ويوصف بأنه واحد من أهم الشخصيات الأدبية في القرن العشرين، وواحد من أعظم شعراء اللغة البرتغالية، لكنه أكثر شغفاً بكتابة النثر كونه يجسد شيء من الحرية المطلقة التي يبحث عنها الكاتب.
كتب (بيسوا) في كتابه الأشهر (كتاب اللاطمأنينة)، والتي ترجمه الأستاذ (المهدي أخريف) إلى اللغة العربية، نصًا عن “الرتابة” تحت عنوان “ملوك الواقع، ملوك الحلم”، يقول فيه مستفتحًا:
ما يدهشني أكثر من غيره ليس هو البلادة التي يحيا بها أغلب الناس حياتهم ؛ وإنما الذكاء الموجود في تلك البلادة.
إن رتابة الحيوات العامية تبدو مرعبة، في الظاهر.
الحكيم هو من يضفي الرتابة على الوجود، بحيث يكتسب، حينئذ، كل حادثٍ مهما صغُر شأنه ميزة الأعجوبة. بعد الأسد الثالث تفقد مغامرة صيد الأسود كل إثارتها.
[…] بإمكان كل شخص، إذا كان ممتلكًا للحكمة الحقيقية أن يستمتع بالمشهد الكامل للعالم، من خلال كرسي، بدون معرفة بالقراءة، بدون حاجة إلى الحديث مع أي كان، فقط بواسطة الاستخدام السليم للحواس وبروح لا تعرف كيف تكون حزينة.
يسهب (بيسوا) في موضع آخر، فيقول:
إضافة الرتابة على الوجود، لكي لا يكون رتيبًا. تَتْفيه اليومي، كيما يغدو أقل الأشياء أهمية مجلبة لأكبر التسليات.
وسط عملي اليومي، الشاحب، الرتيب واللامجدي. تباغتني رؤى هروبية. آثار حلمية لجزرٍ قصية، احتفالات في حدائق حقب أخرى، مشاهد طبيعيو أخرى، أحاسيس أخرى، أنا آخر. غير أني اكتشفت، بين مقعدين، أن لو كان ذلك كله لي، لن يكون أي شيء منه من نصيبي.
يختتم بعد ذلك (بيسوا) حديثه:
الرتابة، تماثل الأيام الخالية من أي بريق، انعدام الفارق بين اليوم والأمس، هو ما بقي لي على الدوام، مع الروح المتيقظة لأجل الاستمتاع بالذبابة التي تسليني، عندما تمزق مصادفة أمام عيني، بالقهقهة القادمة متقلبة من شارع غير محدد. بإحساس التحرر الفسيح لكون الساعة ساعة إقفال المكتب، بالاستراحة اللانهائية ليوم عيد.
بإمكاني أن أتخيل الكل، كل شيء، لأنني لا شيء، لو كنت شيئًا لما كان بإمكاني أن أتخيل. مساعد محاسب بإمكانه أن يحلم بنفسه إمبراطورًا رومانيًا؛ ملك إنجليترا محرم عليه أن يكون، في الأحلام، ملكًا آخر مختلفًا عن الملك الذي هو إياه. الواقع لا يترك له مجالًا للإحساس.