الحضارات البشرية والتاريخ

عن حماية تنوع الهويات البشرية والانقراض المحتمل لبعض الثقافات .. أمين معلوف يكتب

ما الذي يجعل مجموعة من الناس رُغم اختلاف توجهاتهم وأطباعهم ونظرتهم للحياة، واختلاف مراحلهم العُمرية ومستويااتهم الثقافية، ما الذي يجعلهم يجتمعون مُتماسكي الإيدي تحت مظلة واحدة؟ أعتقد أن الإجابة هي الهوية، شعورهم بأنهم يتجهون جميعًا لوجهة ينتمون إليها مهما اختلفت الطرق، في الوقت الذي يستطيع كل فرد منهم أن يسير في تلك الحياة مُمارسًا لفردانيته من خلال نفس الانتماء الذي يمنحه روحه وكيانه، يمنحه وجوده كله.

الهوية نوع من (الطريقة) لها مُمثلين ومُريدين وأتباع، يُعرِفون بها، ويُمارسون الحياة أحيانًا من خلالها، ومن جمالية الهويات أنها مُختلفة، متنوعة بتنوع الإنسان ومكانه في هذا العالم.

هذا التنوع الذي يُعد سفرًا في الإنسان إن جربنا في لحظات من التأمل وصفاء التقبًل أن نستكشف هويات الآخرين، وأن نستكشفها بعين المعرفة لا بعين المًقارنة أوالتعالي وبدون مُحاولة طمس الآخر والتغيير من هويته وفقًا لمعايير هويتنا لأنها المُهيمنة بحُكم أننا الأقوى، أن نُعدل أو نطمس أو نُغير في هويات الآخرين هو نوع من قتل الإنسان عن عمد، إخراس صوته، الذهاب بتنوعه وفردانيته ووجهة نظره واعتقاداته تجاه الفناء، العالم يتسع، لماذا لا يفعل الإنسان؟

أمين معلوف، كاتب وصحافي لبناني مُقيم في فرنسا، له العديد من المؤلفات التي نستطيع القول بأنها وبشكلٍ ما تبحث في أصل الأصل، في التاريخ ودور الإنسان فيه، كان قد تحدث سابقًا عن معنى الهوية وتحوّله بفعل الظروف، وكيف أنها كانت فعلًا نُقطة تحول في حياته هو الشخصية من خلال كتابه “الهويات القاتلة”.

وهنا يتحدث -في كتابه “الهويات القاتلة” كذلك- عن إمكانية انقراض الثقافات بفعل غفلة البشر..

يمكن أن تكرس القوة الهائلة التي يتيحها العلم والتقانة الحديثان للبشرية لأغراض متعارضة، بعضها خيّر والآخر مدمر. فلم تُعانِ الطبيعة من الإساءة أكثر مما تعانيه الآن. إلا أننا في موقف أفضل بكثير مما سبق لحمايتها، ليس لقدرتنا على التأثير في المشكلات البيئية فحسب، ولكن أيضا لأن وعينا بهذه المشكلات أقوى مما كان في الماضي.

ولا يعني هذا أن قدرتنا على الإصلاح تتفوق دائما على قدرتنا على الإضرار، كما يظهر من أمثلة أكثر من أن تحصى. ولنذكر مثلاً استنفاد شريحة الأوزون، والأنواع الطبيعية التي ما زالت مهددة بالانقراض.

وكان يمكن أن أشير إلى مجالات غير البيئة، ولكني اخترتها لأن المخاطر التي تواجهنا فيها تماثل ما تشتمل عليه في العولمة. في كلتا الحالتين، هناك تهديد للتنوع. فكما تنقرض أنواع نباتية وحيوانية أمام أعيننا الآن بعد أن عاشت لملايين السنين، فقد نشهد -إن لم نتوخ الحذر- انقراض ثقافات عديدة تمكنت أن تبقى حية لمئات أو آلاف السنين.

فهد الحازمي

كنت طالباً جامعياً وسأظل طالباً إلى الأبد.
زر الذهاب إلى الأعلى