راسل: ألا تزال السعادة ممكنة؟
يطرح برتراند راسل (1872-1970) الفيلسوف وعالم منطق ورياضي، المؤرخ والناقد الاجتماعي البريطاني. هذا السؤال في الجزء الثاني “مسببات السعادة” من كتابه (انتصار السعادة)، والذي ترجمه إلى العربية (محمد قدرى عمارة).
فيقول (راسل):
السعادة نوعان رغم أنه بالطبع توجد درجات وسطى، النوعان اللذان أقصدهما يمكن تميزهما على أحدهما بسيط والآخر وهمي، أو أن أحدهما حيواني والآخر روحاني، أو أن أحدهما للقلب والآخر للرأس.
ولعل أبسط طريق لوصف الفرق بين النوعين من السعادة هو القول بأن نوعاً منهما متاح لأي إنسان بينما النوع الآخر متاح للذين يمكنهم القراءة والكتابة فقط، فعندما كنت صبياً عرفت رجل كان يتفجر سعادة وكان عمله هو حفر الآبار، ولقد كان طويلا جداً وله عضلات غير معقولة، ولم يكن يستطيع القراءة أو الكتابة، وعندما سمح له في عام 1885 بالإدلاء بصوته في انتخابات البرلمان علم لأول مرة بوجود مثل هذه المؤسسات. لم تعتمد سعادته على مصادر فكرية، ولم ترتكز على الاعتقاد في القانون الطبيعي، أو كمال الأنواع أو ملكية العامة للمنافع العامة أو الانتصار الحتمي للسبتيين أو لأي من الطوائف الأخرى، وهى الأمور التي يعتبرها المفكرون ضرورية لاستمتاعهم بالحياة، كانت سعادته تعتمد على القوة البدنية، والكفاية من العمل، وفي التغلب على العقبات غير المنيعة في صورة صخرة.
فمتع الإنجاز تتطلب صعوبات تجعل النجاح يبدو في البداية أمراً مشكوكاً فيه رغم أنه عادة ما يتم الوصول إليه في النهاية.
وفي إمكانية السعادة بين رجل العلم والفنان والأديب يقول:
أكثر القطاعات المتعلمة تعليماً راقياً في المجتمع إحساساً بالسعادة هم رجال العلم. فكثير من رجال العلم البارزين بسطاء عاطفياً ويحصلون من عملهم على إشباع يكون عميقاً لدرجة أنهم يستطيعون أن يجدوا متعة في الطعام وحتى في الزواج. والفنانون والأدباء يعتبرون أنه من المؤكد ألا يكووا سعداء في زواجهم بينما رجال العلم فعادة ما يظلوا قادرين على الاستمتاع بنعمة الحياة العائلية قديمة الطراز.
وتتحقق كل شروط السعادة في حياة رجل العلم، فلديه النشاط الذى يستغل طاقاته بكاملها، ويصل إلى نتائج تبدو مهمة ليس له فقط ولكن للجمهور العام حتى لو لم يتمكن من فهمها بأدنى درجة، وهو في ذلك يعد أكثر حظا من الفنان، فعندما لا يفهم أفراد الجمهور لوحة أو قصيدة، يقررون أنها لوحة أو قصيدة رديئة، أما عندما لا يفهمون النظرية النسبية فإنهم يستنتجون -صواباً- أن تعليمهم لم يكن كافياً.
وليس العلماء الأفذاذ فقط هم الذين يستمدون المتعة من العمل، ولا رجال الدولة القياديين فقط هم الذين يستمدون المتعة من دفاعهم عن قضية ما. فمتعة العمل متاحة لكل فرد يستطيع تنمية مهارة متخصصة بشرط أن يستطيع الحصول على الإشباع من ممارسة مهارته دون الرغبة في حصول على الاستحسان العام.
ويعد الإيمان بقضية ما من مصادر السعادة لأعداد كبيرة من الناس. أنا لا أفكر فقط في الثوريين أو الاشتراكيين أو الوطنيين فى الدول المقهورة ومن على شاكلتهم ولكنى أفكر أيضاً في كثير من المعتقدات الأقل تواضعاً.
وليست التقليعات والهوايات في كثير، وربما أغلب الحالات، مصدراً للسعادة الأصلية، وإنما وسائل للهروب من الواقع والنسيان للحظات لبعض الألم الذى تعصب مواجهته. أما السعادة الأصلية فتعتمد أكثر من أي شىء آخر على ما يسمى بالاهتمام الودى بالأشخاص وبالأشياء.
الاهتمام بالآخرين وحبّهم شكل من أشكال السعادة:
فالاهتمام الودى بالأشخاص شكل من أشكال المحبة ولكنه ليس بالشكل المتثبت والمستحوذ والذى يتطلب دائماً الاستجابة الملفتة. فهذا الشكل الأخير كثيرا جداً ما يكون مصدرا للتعاسة. أما الطراز الذى يؤدى إلى السعادة، فهو الطراز الذى يحب مراقبة الناس ويجد المتعة في تتبع صفاتهم الفردية، ويرغب فى توفير مجال الاهتمامات وسرور أولئك الذين يصبح على علاقة بهم دونما أن يطلب اكتساب سلطة عليهم أو تحقيق إعجابهم الحماسي به.
فالاهتمام بالآخرين وحبهم عند راسل: “يجب أن يكون كل ذلك طبيعياً وألا ينبثق من فكرة التضحية بالذات التي يحتمها الإحساس بالواجب. فالإحساس بالواجب يكون مفيداً في العمل ولكنه يكون عدائياً في العلاقات الشخصية. فالناس يرغبون في أن يكونوا محبوبين وليسو محتملين باستسلام صبور، وربما كان حب كثير من الناس تلقائياً وبدون مجهود أعظم مصادر السعادة الشخصية”.
سر السعادة هو الآتى:
اجعل اهتماماتك واسعة قدر الإمكان واجعل ردود أفعالك ودودة لا عدائية بأقصى درجة ممكنة تجاه الأشياء والأشخاص الذين يهمونك.
فالشخص غير السعيد، كقاعدة عامة، سوف يتبنى عقيدة غير سعيدة بينما الشخص السعيد سيتبنى عقيدة سعيدة، وكل منهما يرجع سعادته أو تعاسته إلى معتقداته بينما يكون المسبب الحقيقى هو عكس ذلك، فلا غنى عن أمور معينة لسعادة معظم الناس وإن كانت أمور بسيطة: الغذاء والمأوى، الصحة، الحب، العمل الناجح واحترام الفرد لقومه.