امبرتو إيكو وتمرير الرأي الشخصي من خلال الخبر الموضوعي
يحلل البروفيسور في السيميائيات والروائي الإيطالي (إمبورتو إيكو) في كتابه (دروس في الأخلاق)، من ترجمة الأستاذ القدير (سعيد بنكراد)، إمكانية تمرير الآراء الشخصية من خلال تقديم أخبار بالغة الموضوعية.
انصب السجال في الستينات والسبعينيات على طبيعة الصحافة ووظيفتها مركزًا على موضوعين:
أ – الفرق بين الخبر والتعليق، وهو ما يعني دعوة صريحة إلى الموضوعية
ب ـ الجرائد هي أدوات للسلطة، تديرها أحزاب أو مجموعات اقتصادية وتستعمل لغة مسننة عن قصد ذلك أن وظيفتها الحقيقية ليس إخبار الناس، بل بعث رسائل مسننة إلى لوبيات السلطة، ولن يكون القراء سوى وسيلة. إن اللغة السياسية مستوحاة من المبادئ نفسها، ولقد ظلت العبارة الشهيرة “الإجماع الموازي” في أدبيات وسائل الإعلام رمزاً لهذه اللغة التي لا يفهمها سوى أقلية موجودة في ردهات البرلمان ، أما الشعب فلا يفهم منها شيء.
يتابع بعد ذلك:
وكما سنرى فإن هذين الموضوعين رديئان إجمالاً. فمن جهة كان هناك سجال عريض حول الموضوعية والكثير منا كان يعتقد ألا وجود لخبر موضوعي على الإطلاق عدا النشرة الجوية. وحتى في الحالة التي يتم فيها الفصل الدقيق بين الخبر والتعليق فإن اختيار الخبر في ذاته وطريقة تقديمه يشكلان ذاتهما حكمًا ضمنيًا . ولقد فرض في العشريات الأخيرة أسلوب الثيمية الشهير: تخصيص صفحة واحدة لأخبار الطبيعة نفسها . فلنأخذ على سبيل المثال الصفحة ١٧ من la republica ليوم الأحد ٢٢ يناير . أربع مقالات: “بريسيا؛ ولدت رضيعها وقتلته”، “روما؛ فتاة في الرابعة تُركت وحدها في المنزل، كانت تلعب على حافة الشرفة، وأُدخلَ الأب السجنَ”، “روما؛ أصبح من الممكن وضع الحمل في المستشفى حتى لو لم نكن نود الاحتفاظ بالرضيع”، “تريفيس؛ أم مطلقة، لا تريد أن تقوم بدور الأمومة”.
وكما تلاحظون، فإن موضوع الثيمة هو الطفولة المتخلى عنها، بقي أن نعرف هل يتعلق الأمر بقضية راهنة خاصة بهذه المرحلة؟ فهل نملك كل المعلومات حول هذه الإحالات؟ فلو كان هناك أربع حالات فقط، فلن تكون للإحصائيات أية قيمة، ولكن الثيمة تضع هذه القصة فيما كانت تسميه البلاغة القضائية والإستشارية التقليدية، المثل: “حالة واحدة يمكن أن نستنتج منها قاعدة، أو نوحي بإمكانية ذلك”. فلو لم يكن هناك سوى أربع حالات ، فإن الجريدة توحي بأن هناك عدداً أكبر من هذا، ولو لم يكن العدد أكبر لما نشرته الجريدة. إن الثيمية لا تقدم لنا أربع قصص؛ إنها تعبر عن رأي موجه حول وضعية الطفولة، وذلك في استقلال عن إرادة رئيس التحرير الذي قد يكون اختار في آخر لحظة هذا الشكل التقديمي، لأنه لم يكن يعرف ماذا سيضع في الصفحة ١٧ من الجريدة. ومن هنا لا أود التأكيد أن تقنية الثيمية هي تقنية خاطئة وخطيرة؛ أقول فقط إنها تكشف لنا كيف يمكن أن نعبر عن آراء من خلال تقديم أخبار بالغة الموضوعية.
تحرير: (صادق النمر)